المبادرة الوطنية للتنمية البشرية

السبت، 18 مايو 2013

سيدي مومن 10 سنوات بعد ... التفركيع اختفى واليأس باق


sidi-moumen


"والله كون ما كان الانتحار محرم في الدين، لانتحرت شحال هادي"، برغبة مجنونة في الموت اعتقادا أنها الخلاص الوحيد، كم كانت صادمة هذه الجملة وأنت تسمعها من شاب ثلاثيني يقولها في أحد مقاهي سيدي مومن، "مخرجا عينيه"، على حد وصف أبناء الدارالبيضاء، ولم يتردد في تكرارها.

malik-mp

لم يكن الهدف الأساس في زيارة سيدي مومن إعادة "الطاباج" الإعلامي للحديث بإسهاب عن منطقة اشتهرت عالميا وشذت إليها أنظار عدسات أشهر المحطات العالمية للأنباء، لأنها فرخت انتحاريين فجروا أنفسهم في أحد أيام شهر ماي سنة 2013، مستهدفين أماكن عامة ومدنية.
انتحاريون من كاريانات هامشية، تنعدم فيها أدنى شروط العيش الكريم، انتحارييون أغلبهم من كاريان طوما، جرت مذهبتهم وغسل أدمغتهم  في كاريان سكويلة وداخل مسجد عشوائي.
الهدف كان ببساطة، طرح سؤال على بعض سكان طوما واسكويلة، ماذا تغير بعد عشر سنوات؟
مرحا هدمت اسكويلة.. وماذا بعد؟؟
أعمدة غبار تتصاعد إلى السماء، وجرافات صفراء اللون تدك الأتربة، فيما سيجت لوائح معدنية تابعة لشركة "العمران" العمومية المكان، 7 آلاف براكة لقرابة أكثر من 55 ألف نسمة حسب تقديرات سنة 2007، السنة التي عرفت بداية هدم أول براكة، كل شيء اختفى.
اليوم لا وجود لدوار اسكويلة ولا للجامع العشوائي الذي تأطر داخله الانتحاريون، أعدم القصدير والحجر فأين البشر؟
الجرافات تعمل بكد غير آبهة بقيظ حار وسط عاصفة غبار خانق من يوم الثلاثاء المنصرم، تدك الأرض لتسويها، وتقسمها بقعا من 84 مترا ربعا، ستكون من نصيب عائلتين من الدوار، هذا ما وعد به المسؤولون سكان اسكويلة. في طريقنا إلى لقاء ثلاثة شبان كل من كاريان معين، بدت لنا في الطريق عمارات جديدة، وإعلانات بيع شقق، وأغلب المنازل فارغة ولم تنتهي بها الأشغال، لكن الغريب أن أغلب مرائبها مأهولة، لنعرف فيما بعد من السكان، إنهم قاطنو السكويلة ممن رحلوا قصرا بعد أن أعدمت براريكهم بطرق أسالت الكثير من المداد.
نور الدين أحد شبان دوار اسكويلة ممن ينتظر أن تحصل أسرته على بقعة، وعلى الرغم من أنه حانق على عدم إدراجه في لائحة المستفيدين على اعتبار أنه كان يتوفر على براكة خاصة به، يشتكي هذا الشاب الذي عانى كثيرا من نسبه إلى اسكويلة، سكان الكاريان صاروا معذبين من جديد بعد أن هدمت مساكنهم، ولجؤوا إلى الكراء في انتظار البقعة إن أتت، ثم العثور على مول شكارة للبناء، وتلك قصة أخرى...
يروي نور الدين ذو الثلاثين عاما، وهو من سكان كاريان السكويلة المزال، بنبرة غضب وحنق على الأوضاع، "سيدي مومن بقرة حلوب، مدت ضرعها لكل الانتهازيين، الذين ركبوا موجة محاربة التطرف، لكي يغتنوا، ووالله لو لم يكن الانتحار محرما في الدين لانتحرت".
يقول هذا الشاب الحاصل على دبلوم في برمجة الحاسوب والعاطل عن العمل والحاصل على دبلوم الدراسات الجامعية العام "دوغ" في الحقوق، إن لا شيء تغير على الإطلاق، ويردف موضحا "إن قمتم باستطلاع رأي لدى الساكنة لوجدتم المعنويات في الحضيض، لقد هدمت البراريك ولاقى سيدي مومن شهرة عالمية، أطلقت مبادرات عديدة، لقد ضخت أموال ضخمة في برامج للتنمية البشرية، من أجل خلق مراكز تكوين لصالح الشباب في وضعية صعبة، لكن ما جرى هو أن بعض المحسوبين على جمعيات المجتمع المدني استغلوا الظرف ليغتنوا، وتمول فقط أنصارها لتشكيل خزانات أصوات انتخابية، هذا هو الواقع اليوم، وأتحدى من يقول العكس، أعرف شخصا قبل عشر سنوات استغل الأحداث، كان يكتب تقارير عن بعض الملتحين وأرسل منهم مجموعة إلى السجن، فصار رجل ميدان وناشطا جمعويا، اليوم هو مليونير، صدقني، واسأل عنه في سيدي مومن". 
سيدي مومن بقرة حلوب للمرتزقة
بالنسبة لإبراهيم كرو وهو ناشط جمعوي وصحافي "ربورتير" ومن سكان كاريان الرحامنة، الذي ما يزال قائما بذاته ولم تصله بعد جرافات الهدم، "بعد عشر سنوات، ما يمكن قوله، أن الإرادة السياسية موجودة لدى أعلى الهرم في البلاد، غير أن تحوير المعونات، وانزياح برامج إعادة تأهيل مدن الصفيح، وما شابها من خروقات أفرغت كل المجهودات من محتواها، ويشرح "اليوم لم تعد ساكنة سيدي مومن تثق في أحد، باستثناء الملك، الذي تحبه الساكنة وتحترمه، وهذا أمر يمكنك رؤيته مكتوبا على جدران الأحياء، والسبب هو أن الانتهازيين من الجمعيات المدنية استغلت أحداث سيدي مومن لتخلق شبكات مصالح خاصة بها، لقد صنعت أحداث سيدي مومن سجلا تجاريا لمرتزقة من نوع خاص، متلاعبون ومحترفو كلام، عرفوا كيف يتاجروا بمترابطة الفقر واليأس والإرهاب، وتغنوا بالإدماج ومساعدة الشباب في وضعية صعبة.
ويعطي كرو مثالا عن إحدى الجمعيات التي يرأسها ممثل ومخرج مغربي، قام بالحصول على الدعم من القنصلية الإيطالية بالبيضاء، كما أنه استفاد من دعم المبادرة الوطنية لتنمية البشرية، لتشييد مركز تكوين خاص بمهن السينما لفائدة شباب سيدي مومن المعوز، فإذا به يجعل منه مدرسة ولجها أبناء أنفا وسيدي بليوط، مقابل أداء شهري يقدر ب800 درهم، فهل أبناء كاريانات سيدي مومن قادرون على دفع هذا المبلغ؟.
يقول كرو "اعترف بأني من تزعم طرد المخرج المغربي نبيل عيوش من سيدي مومن، وهنا أود أن أوضح، لسنا ضد عيوش، ولكن نحن ضد من جلبوه واستقدموه، ويقدمون نفسهم على أنهم ينتمون إلينا، في حين انهم سماسرة انتخابات ومرتزقة لا يهمهم إلا المال والحصول على علاقات عامة".
يحكي نورالدين الذي يعيش أقرب إلى المشرد، بعد أن هدمت براكته وبراكة أسرته، "بعد عمليات الهدم، طلب منا أن نكتري منزلا في انتظار تسليمنا بقعة أرضية بمساحة 84 مترا مربعا مشتركة مع أسرة أخرى، شخصيا أتمنى لو بقي الوضع كما في السابق، أحن إلى العيش في البراكة، على الأقل في السابق كانت لدي حياة اجتماعية واستقلال أسري، اليوم أسرتي تدفع شهريا 2000 درهم كسومة كراء، والقائد أخبرني بأنه لا يحق لي الحصول على بقعة على الرغم من أني كنت أتوفر على براكة خاصة بي، وما يثير غضبي واستيائي، هو أن نرى أسرا قادمة من خارج سيدي مومن تستفيد من البقع، فعملية إسكان كاريان السكويلة يعمها فساد كبير".
كل يوم جمعة تعيش المنطقة تعبئة أمنية لأنه يوم "القرعة" كما يسمونه، أي الحصول على وصول البقع الأرضية، ومن كان محظوظا فعليه دفع مبلغ 70 ألف درهم، أي 140 ألف لكل بقعة بما أن مخصصة لعائلتين.
حسب الأرقام الرسمية ففي سيدي مومن هناك سبعة مشاريع سكنية كبرى بكلفة استثمارية إجمالية بلغت أكثر من 70 مليار درهم، أكيد أن لعاب شركات العقار تسيل بغزارة إلى درجة إغراق المنطقة، هذا هو الخوف الحقيقي هنا.
إلى جانب نورالدين وإبراهيم، جلس كريم مستمعا في غالب الوقت إلى روايات جيرانه، لا يتحدث كثيرا غالبا ما يطأطؤ رأسه إلى الأمام كلما سمع ما أعجبه، خاصة وأن هاتفه  من النوع الرخيص الذي يعري لصوص الخطف، أزعجه طوال الوقت، أكيد أن كريم غير عاطل، أو هذا ما يبدو؟
يقول كريم "لقد أخبرني القائد الجديد، الذي له خبرة في إعدام الأحياء الصفيحية في الشمال، والذي أشرف على عمليات الهدم، بأنه لا يحق لي الاستفادة من بقعة أرضية، على الرغم من أني متزوج، وأخبرني بعض السماسرة بالمقابل بأني لو وفرت مبلغ 50 ألف درهما إضافة إلى 70 ألف الأخرى لاستفدت بغض النظر عن مسألة زواجي بعد سنة 2006، ويستدرك "خمسة المليون غير تدويرة لسماسرية".
كريم اللحام الذي يكتري محلا تجاريا لمزاولة مهنته، وفي الوقت ذاته يستغله كمحل للسكنى، فيما لجأت زوجته وابنته إلى منزل عائلتها، يرى أن الوضع الحالي لسكان سيدي مومن استفاد منه السماسرة أكثر من الساكنة، متحدثا عن حكاية مشروع سوق نموذجي خصص للباعة المتجولين فإذا به يصير مركزا تجاريا بيعت محلاته لغرباء عن المنطقة.
قررنا زيارة كاريان طوما، مهد أغلب انتحاريي 16 ماي، حيث علمنا لحظة كتابة هذه السطور أن السلطات أخبرت الساكنة بأن أمامهم مهلة عشرة أيام لإخلاء براريكهم.
أحن... إلى براكتي
وقف كريم أمام إحدى براكات كاريان طومة، هنا، لابد للزائر أن يتوفر على لياقة بدنية إن أراد القفز فوق برك المياه الأسنة المخترقة لزقاقات الكاريان.
كنا في استضافة أحد ساكنة طوما، هو معاذ توفيق، حارس سيارات، يتوفر على براكة ذات مساحة تتراوح بين 70 مترا مربعا، يقول وهو يفتح الباب، أنتظر الترحيل، والحصول على بقعة، ثم انتظار مول الشكارة، لكي يبني لنا المنزل. يقول إن مساحات البراريك هنا مختلفة، فهناك دور صفيحية تصل إلى مساحة 600 متر، حتما لن يسر صاحبها ومعه عائلته المركبة لن يقبل ببقعة من 84 مترا".
"موالين شكارة" هم مقاولون من نوع خاص، يتلقفون سكان الكاريانات في سيدي مومن ممن أفرج على بقعهم، يبنون المنازل ويقتسمون الدور، يحصل "مول الشكارة" على الطابق السفلي والطابق العلوي، فيما يستفيد الساكن من الطابقين الثاني والثالث، هذه العملية أدرت أرباحا كبيرة على هذه الفئة من المقاولين الصغار، غير أن الهم الرئيس يكمن في تخوف الساكنة من أن لا يحترم المقاول معايير البناء، لأنه سيقوم مباشرة ببيع طوابقه والرحيل، لكن لا خيار أمام سكان الكاريانات.
فتح لنا معاذ الباب، البراكة مبنية بالأجور، زليج مغربي أزرق اللون في جدرانها، بالنسبة لكريم، بدى الحزن شديدا على محياه، وهو يتحسر، كانت لدي براكة شبيهة بهذه يردف، وقال "الحزين في الأمر أنه انتظرنا مدة طويلة على أمل الحصول على سكن لائق، واليوم صرت أحن إلى العيش في البراكة، لقد اغتالت الجرافات كل شيء، ليس فقط البراريك وإنما جردتنا من أجواء العيش، ومن الجيران، لقد تشتت ساكنة اسكويلة إلى الأبد".
في كاريان طوما، يبدو التفاؤل طاغيا على الساكنة، فمنظر المنازل المبنية في الجهة المقابلة تغريهم بالرحيل، تقول سيدة في عقدها الخامس، "لا لا أولدي داكشي ديال التفركيع ما بقاش عدنا، كاين غير شوية ديال البلية والحشيش والشراب والقرقوبي، وحنا راه قريب يعطيونا الأراضي الحمد لله أولدي".
أما معاذ الذي تغطي وشوم كثيرة ذراعيه، متعايشة مع ندبات جروح غائرة زنده، هو من أصحاب الخطوط إذن، يقول "أنوي الزواج، أقاتل أن أحصل على بقعة خاصة بي، بما أني أتوفر على هذه البراكة، لقد تلقينا بوعود أحسن من ساكنة اسكويلة، أعتقد أنهم سيمنحونا تعويضات الكراء في انتظار البقع والتجهيز".
أنهى معاذ كلامه بابتسامة بريئة على فم مهدوم الأسنان، على الرغم من أن عمره لا يتعدى الثلاثين، وابتعد مهرولا نحو مخدع الحراسة.
سكان "طوما" لا يريدون مآل جيرانهم في "اسكويلة"، أما نورالدين فتدخل قائلا "بعد عشر سنوات الرابح الأكبر من إعادة تأهيل دور الصفيح هو مول الشكارة، سواء كان طاشرونا صغيرا أو شركة عقارية ضخمة، فمقابل 84 مترا مربعا لكل أسرتين، يتدخل مول شكارة ليبني، يحصل على الطابق الأرضي والطابق الأول، فيما تحصل كل أسرة على طابق، الرأسمال هو الرابح هنا".

كتب بواسطة: عبدالرحيم سموكني



ليست هناك تعليقات: