يسكنون «الكاريانات» بسيدي رحال وبعضهم متابعون في ملفات نصب
فوق 491 هكتارا من الصفيح و»الحْمْري» والخراب، يقيم أبناء عمومة الملوك. 200 شريف وشريفة يستظلون القصدير القائظ. يقضون دقائق حياتهم في رواية قصصهم مع أقاربهم السلاطين ويقلبون صفحات التاريخ، متسلقين شجرة النّسَب التي تمتد بهم إلى آل البيت، بشيء من الفخر والأنفة وكثير من الحنق والغضب وهذه فصول ملحمة الشرفاء العلويين، «أبناء الأمراء»، كما يقولون، و«أسباط فاطمة الزهراء»، كما يؤكّدون. هذه تفاصيل قصتهم الكاملة مع الفقر وحرب العقار والاستعمار، فضلا على علاقاتهم بشخصيات نافذة.
من بلدية سيدي رحال الشاطئ، التي تبعد بحوالي 40 كيلومترا عن الدار البيضاء، تبدأ الحكاية. وفي مقهى «العلويين»، تحديدا، يُكتَب السطر الأول في قصة أقارب الملوك، الفقراء.
شهدت هذه البلدية زحفا للبناء العشوائي، الذي صارت الإشارة إليه لازمة في التقارير الرسمية وغير الرسمية. آخر اجتياح صفيحي كان قبل أيام، بعدما احتلّت عائلات في سيدي رحال أرضا توفي مالكها. احتلوا الأرض، بعدما علموا أن المالك ليس له أقارب يطالبون بالإرث. بقوة السيوف والمعاول والسواطير، بنوا دوارا جديدا أسموه «دوار الثوار»، ثوار لأنهم شيّدوا حيّا صفيحيا، دون أن تجرؤ السلطات على منعهم، خوفا من تحوُّلهم جميعا إلى «بوعزيزيين» جُدد.
قريبا من دوار «الثوار»، يقطن علويون فقراء. داخل منازل، أغلبها عشوائية.للتو، انتهى موسم صيف حار، لينتهي صخب زوار شواطئ سيدي رحال ويخلد العلويون، أخيرا، إلى سكونهم الدائم. جاؤوا، تباعا، إلى المقهى الذي يديره أحدهم. 12 شريفا، شيوخا وشبابا، انطلقوا في إعادة كتابة تاريخهم، من كلمة البدء إلى آخر لحظات فقرهم ومعاناتهم.
أحفاد الأمير «مساخيط جدهم».. عبارة ترددت كثيرا على لسان أبناء سيدي رحال، الذين التقتهم «المساء»، واصفين العلويين جيرانهم. رغم مرور قرون، ما يزال سكان المنطقة يستغربون لحال الشرفاء: كيف لأبناء الأمراء أن يزاحموهم على «الكاريانات» وعلى أحياء الصفيح. بعد تفكير، يلوذون إلى ما لاكتْه الألسن على مر السنين، «لقد تعرضوا لنقمة أجدادهم الشرفاء»...
كاد الحديث ينجرف إلى جدال لا نهاية له، قبل أن يتدخل مولاي عبد العالي العلوي، رئيس رابطة الشرفاء العلويين بسيدي رحّال، قائلا: «هذا كلام غير صحيح، نحن علويون أصليون.. ذرية فاطمة الزهراء»، ثم توالت رواية تفاصيل تاريخهم وسبب هجرة أجدادهم «عز» تافيلالت وجوار مولاي علي الشريف وقصور الرباط، إلى «كاريانات» سيدي رحال.«في بداية القرن الثامن عشر، جاء جدنا مولاي الأمير بن مولاي أحمد بن مولاي إدريس بن مولاي إسماعيل إلى سيدي رحال، قادما من تافيلالت. لا نعرف سبب هجرته إلى تافيلالت، لكنْ وصلنا أنه تزوج من امرأة من قبيلة الهوارة، هنا في سيدي رحال، واقتنى أربعة آلاف هكتار من الأراضي وقرر الاستقرار هنا»، يروي مولاي الهاشمي العلوي، أحد شيوخ شرفاء سيدي رحال.
لم تكن أخبار أسلافهم، التي تأتي على لسان بعضهم، تحظى بإجماع. بدوا مختلفين في الكثير من المعطيات التاريخية وظلوا، طيلة الجلسة، يتجادلون ويتحدثون معا مرة واحدة. غير أنه كلما تحدث أحد كبرائهم، أطرقوا له السمع، منصتين: «قلت ليكومْ راه هو أول علوي تزوج بواحدة ماشي شريفية علوية»، يحسم مولاي الهاشمي الجدل، قبل أن يردف: «عاد هو وأبناؤه إلى تافيلالت من بعد، كانوا 26 شريفا. لكنهم لم تستطيعوا أن يعيشوا في تافيلالت، ما دفعه إلى شراء أراضٍ أخرى لهم في سيدي رحال، قائلا لهم إن أخوالكم هم الأحقّ بكم».
يشدد علويو سيدي رحال على أنهم أكثر الشرفاء قرابة إلى ملوك المغرب، الذين تعاقبوا على الحكم منذ إقامة مولاي علي الشريف في سجلماسة وإقامة ابنه، المولى إسماعيل، الدولة العلوية في القرن السابع عشر: «نحن وملوك المغرب أبناء عمومة. نحن نقربهم أكثر لأنهم يسمون العلويين الإسماعيليين العبدلاويين، نسبة إلى السلطان مولاي عبد الله، أما نحن فنسمى العلويين الإسماعيليين اليزيديين، نسبة إلى مولاي اليزيد، الذي كان أميرا شقيقا للسلطان مولاي عبد الله»، يقول «شرفا» سيدي رحال، قبل أن يردف أحدهم: «هذا هو أصل الاختلاف بيننا، خاصة في الجانب المادي».
انساق الحديث عن هذه العلاقة الوطيدة بين علويّي سيدي رحال الفقراء وباقي العلويين في المغرب، بعد ذلك، إلى إيراد تفاصيل مثيرة، بين ملوك المغرب وفقراء سيدي رحال. تفاصيل تبدأ من الزيارات العائلية ولا تنتهي عند «مشاكل الإرث»، التي ما يزال شرفاء سيدي رحال يعيشون تبعاتها إلى اليوم.
الإرث في مكة شملت ثروات علويي سيدي رحال، حينها، عدة قطع أرضية، بما فيها مساحة أربعة آلاف هكتار التي اقتناها مولاي الأمير حين قدومه إلى المنطقة، إضافة إلى أراض أخرى في «كاريان بنعبيد»، ومنطقة أولاد حريز، في جهة الشاوية ورديغة. وقبل مماته بسنوات، وتحديدا سنة 1820، سيحبس مولاي الأمير مساحة أرضية قدرها 491 هكتارا، على أبنائه من الشرفاء. وخص الأبناء الذكور بحق الاستفادة من هذا الوقف دون الإناث «الشريفيات» اللواتي يحظين بوضع خاص في التنظيم العلوي.
تشير الوثيقة التي حصلت «المساء» على نسخة منها إلى أن استغلال الأراضي المحبسة من قِبَل مولاي الأمير يبقى مضمونا بأبناء صلبه إلى حين وفاة آخرهم، إذ تؤكد الوثيقة أنه في حال «انقرض عقبه بالممات الذي يصيب القوي والضعيف، فإن الحبس يرجع إلى بيت الله الحرام».
«نحن أصلا من الجزيرة العربية، وتحديدا من مكة، التي يتحدر منها آل البيت، لذلك فلأهلنا وأقاربنا في مكة المكرمة الحق في أن يرثونا»، يستطرد «الشرفا»، موضحين.
عهد مولاي الأمير الفصل في الخلافات بين ذريته بهذه الأرض المحبسة إلى نسيب له يدعى «الفقيه التهامي بن بوزيان السالمي الهواري»، كما شدد في وثيقة التحبيس على ضرورة الالتزام بما تضمّنته، اتقاء لـ«لعنة الشرفا»، التي تمس كل متجاوز: «فمن بدّل فيه أو غيّر فالله سائله ومتول الانتقام منه»، وفق ما تضمّنتْه وثيقة التحبيس.
أضحى لعلويي سيدي رحال دخل يعيشون منه وأرض يقيمون عليها. غير أن نعمتهم هذه سرعان ما تحولت إلى قطعة عذاب، على اعتبار أن لهم الحق في استغلال أراضي الحبس دون تملُّكها، كما أن العديد من أراضيهم، التي سبق لجدهم مولاي الأمير، تعرضت للسطو، حسبهم، من قبل «الاستعمار وشخصيات نافذة».
«عندما جاء الاستعمار، أخذ كل بلادنا. لكننا وكّلْنا الشريف بلمامون ومحمد بن شدود العلوي، وهما اللذان كانا نقيبَيْ الشرفاء آنذاك، من أجل استخلاص أراضينا. عيَّن هذان النقيبان محاميا، كان يدعى الزناتي، وأعطياه نقودا لشراء الأراضي من السلطات الاستعمار. لكن المعمّرين رفضوا تسليمنا أراضينا وأخبرونا أن لنا حق التصرف في 491 هكتارا فقط، كما منعونا من بيعها أو وهبها»، يقول الشريف مولاي الهاشمي، بنبرة متوترة.
في هذه اللحظة، بدأت معاناة العلويين، وانطلقت حلقات مسلسل فقرهم ومعاناتهم في أرضهم. وبعد نظر، لجأوا إلى أبناء عمومتهم الملوك، وكان أول من طرقوا بابه السلطان محمد بن يوسف، «كانت لنا أراض أخرى في أولاد حريز تمّت مصادرتها، لأنها غير مُحفَّظة. في هذه اللحظة، التقى 26 شريفا منا شخصية نافذة مقربة من الراحل محمد الخامس. شرحنا المشكل لحاجبه حينها، فأشار عليه بأن «أبناء عمك أولى»، لذلك سلّمهم 500 هكتار من الأراضي في أولاد حريز، لكنها لم تُحفَّظ وما يزال مشكلها عالقا إلى يومنا هذا»، يستطرد «الشرفا».
يشير علويو سيدي رحال إلى أن محمدا الخامس سلّمهم وثيقة تثبت حقهم في الاستفادة من هذه الأرض، إلا أنهم لم يجدوا لها أثرا بعد ذلك.
«كانت الوثيقة عند ولد عمر، وربما أعطاها للمزوار مولاي عبد الله»: «كانت الوثيقة عند مولاي مصطفى بن زيدان»... توالت جُمَلهم، في ضجيج عارم: «نعترف أننا جاهلون.. الناس تحركوا ولكن فشلوا...»، يحسم مولاي الهاشمي النقاش، من جديد.
تاهت الوثائق وتاهت معها جمل العلويين، الذين التقتهم «المساء». واستمر حبل ضياع الأراضي إلى أن وصل إلى كشف حقائق مثيرة، تتعلق بمشاكل في الإرث بينهم وبين شخصيات «نافذة». إلى «الكاريان»..اتّضح من شهادات علويي سيدي رحال أن علاقتهم بالملوك العلويين شابها مد وجزر، كما أن علاقتهم بشرفاء تافيلالت انقطعت قبل مدة: «لم يزرنا قط شخص من تافيلالت، لكننا كنا نزور ضريح مولاي علي الشريف باستمرار»، يقول مولاي عبد العالي العلوي، رئيس رابطة شرفاء سيدي رحال.
يفتخر علويو سيدي رحال بِصلتهم الدموية القريبة جدا بملوك المغرب، مشيرين إلى أنهم حصلوا على وثائق تثبت اعتراف السلاطين بقرابتهم الوطيدة وتحفّهم بعناية خاصة: «وقّع مولاي يوسف ظهيرا جاء فيه: لا شريف ولا مشرف إلا الإخوان القاطنون في الدعيديعة، يقصد سيدي رحال، كما كانت تُعرَف حينها»، يضيف رئيس الرابطة.
يشير العلويون إلى أنهم كانوا ينظمون زيارات عائلية للسلطان محمد الخامس، بحكم قرابتهم الدموية منه: «كان نقباء الشرفاء يزورون السلطان بصفة دورية، إلى درجة أن أحد نقبائنا، وهو مولاي عبد الله، كان يتكئ على ركبة السلطان محمد الخامس، كما أن النقباء مولاي عبد الرح مان والحاج بن إدريس وسيدي مامون بن إسماعيل كانوا يترددون على القصر كثيرا، إلا أن هذه الزيارات انقطعت بعد ذلك»، يكشف مولاي أحمد العلوي، أكبر شرفاء سيدي رحال سنا، الذي يبلغ 70 سنة.
يعترف العلويون في سيدي رحال أنهم لم يكونوا يتوقعون أن ينصرم حبل الوصال بينهم وبين أبناء عمومتهم فجأة، والسبب، حسبهم، هو أنفتهم وإباؤهم ودسائس الحاشية : «كانت الحاشية تحول بيننا وبين رؤية الملكين محمد الخامس والحسن الثاني. كان وزير التشريفات آنذاك يقف لنا عند باب القصر ويسألنا عن حاجتنا إلى هدايا، علما أن جميع الشرفاء في أماكنَ أخرى يتقاضون أموالا بحكم نسبهم الشريف، لكنْ، وكما تعلم، نحن أصحاب أنفة وكبرياء، فأجبناه: لا يلزمنا شيء، نريد النظر في وجهه فقط»، يقول الشرفاء.
«تقلّصَ عدد الشرفاء وكثر الآخرون، إلى درجة أنهم هجموا علينا واستضعفونا»، يروي مولاي الهاشمي، قبل أن يقاطعه شريف آخر، يدعى مولاي المامون، مستغربا: «كانت الحاشية تستهدفنا. لقد أبعدونا وضايقونا».
أشار الشرفاء العلويون القاطنون في سيدي رحال إلى أنه وقع خلاف، في ما مضى، بينهم وبين شخصيات نافذة، حول أرض توجد في تمارة، يشير علويو سيدي رحال إلى أنها في ملكيتهم: «هذه الأرض وما عليها ديالْ جْدّنا (...)»، يصرخ مولاي الهاشمي، بكلمات ساد بين الحاضرين، بعدها، صمت مريب.
«بنى (...) فوق أرض في ملكيتنا في «تهركوست»، وحينما طالبنا بحقنا واجتمعنا بأحد المقربين منه آنذاك، قال لنا بالحرف أن نصرف نظرنا عن الموضوع»، يردف مولاي الهاشمي، قبل أن يقاطعه مولاي المامون مرة أخرى.
بدا على الشرفاء الحاضرين حينها وجَل كبير وضجّ المجلس بأصواتهم الصاخبة، قبل أن ينطق مولاي أحمد العلوي، أكبرهم سنا، راويا قصة أجداده في قضية أرض أخرى : «هذه الأرض وما فوقها من بناء ليست في «تهركوستط، إنها في «تمارة» وتعود ملكيتها إلى أحد أسلافنا، قبل أن يتوفى الحسن الأول ويستعمر الفرنسيون البلاد، فيما ظلت طنجة منطقة دولية. بعد احتلال أرض تمارة، رفع نقباؤنا دعوى قضائية، ربحوها في ما بعد، لأن بلاد تمارة، التي بلغت مساحتها 6 آلاف ه كتار، هي ملكنا».
يكشف مولاي أحمد العلوي أن الحسن الأول سبق له أن بنى ثكنة عسكرية في هذه الأرض. «حصلنا على وثيقة لكراء الأرض، شملت اتفاقا بين مولاي محمد بن يوسف والمزوار (النقيب) مولاي عبد المالك»، يوضّح العلوي.
غير أن شرفاء سيدي رحال قرروا، بعد مدة، فاتحوا شخصية مقربة من محمد بن يوسف آنذاك، حول أحقيتهم في هذه الأرض: «تناقشنا مع هذه الشخصية، التي قالت لنا بالحرف: لقد «ضعتُم» في أرض تمارة، لكننا شرحنا لها أننا لا نطالب بشيء آخر، بل نريد مقابلا. دار بيننا حديث قصير، فهمنا من خلاله أن باب الحديث في الموضوع قد أوصِد في وجهنا نهائيا».
لم ييأس علويو سيدي رحال من المطالبة بتعويض عن أرض تمارة، حتى بعد وفاة الملك محمد الخامس وانقطاعهم عن زيارة القصر. لكنهم قرروا معاودة الكرّة وشدوا رحالهم نحو الحسن الثاني، لاسيما بعد توالي النكبات عليهم واجتياح موجة فقر منطقتهم: «توجه مولاي عبد العزيز، نقيبنا آنذاك إلى القصر الملكي، بعدما تعالت أصوات أبناء الشرفاء مطالبة بحقهم في الأرض. كما شرح للحسن الثاني قصة أرض تمارة، فأمر الملك حينها بإجراء بحث في الموضوع لخل هذا المشكل في أقرب وقت»، يقول مولاي أحمد العلوي.
يبرز علويو سيدي رحال أن الملك الحسن الثاني كان حريصا على تجاوز أي خلافات بين العلويين، كما دأب على لمّ شتات الأسرة العلوية الكبرى، مبديّا تحسره على تفرقها في مناطق عدة: «قال الحسن الثاني، ذات مرة، لأحد نقبائنا، كلما كبرت العائلة، كلما تشتّتت.. وقد بدا عليه أسى واضح»، يقول الشرفاء، الذين يُبدُون، بدورهم، تعلقهم البالغ بأبناء عمومتهم: «يصيبنا أيضا حزن كبير عندما تحلّ الذكرى السنوية لوفاة الملكين محمد الخامس والحسن الثاني».
طُويّت صفحة أرض تمارة وانصرف علويو سيدي رحال إلى فلاحتهم في هذه المنطقة الساحلية، المحاذية لسهول الشاوية. كما أنهم وجّهوا أنظارهم إلى أراض أخرى ملكها أجدادهم، وبالتالي فإنهم يعتبرون أنهم أحقُّ بها من سواهم: «بحثنا عن حقنا في أرض أولاد حريز، لكننا لم نكن نتوفر على رسوم عقارية تثبت ملكيتنا لها»، يوضح الشرفاء.
في غمرة البحث في أرشيفات الإدارات وأكوام الوثائق المغبرة، وصل اجتياح قادم من الغرب، يقوده، حسب قولهم، شخصية حكومية نافذة سابقة: «شرع (...) في السبعينيات، في الاهتمام بجهة الشاوية، خصوصا سطات. كان ذلك على حساب الشرفاء، الذين أجبرهم على تسليمه 79 هكتارا من أراضيهم دون أن يقدروا على رد طلبه، وهي الهكتارات التي أضيفت إلى إقليم سطات. لقد طمسوا هوية المنطقة وحكموا على فلاحتنا بالبوار»، يؤكد علويو سيدي رحال، وقد تسللت إلى كلماتهم نبراتُ غضب.
في هذه اللحظة، تحول اسم المنطقة من دوار الشرف إلى بلدية سيدي رحال الشاطئ، التابعة إداريا لإقليم سطات. كما تحوّلت معه حياة علويي المنطقة إلى حجيم، «نظرا إلى الوضع الخاص لأرضنا المحبسة، فإننا ممنوعون من استغلالها لأغراض تجارية. يصعب علينا الحصول على رخص للبناء أو إقامة مشاريع سكنية أو تجارية، وهو ما دفع العديد من العلويين إلى اللجوء إلى بناء براريك عشوائية ومنازل صفيحية، يؤون فيها نساءهم وأبناءهم، أو إلى بيع أراضيهم لمافيات البناء العشوائي. أما العديدون منهم فقد اختاروا مغادرة المنطقة وتجاوُز عادات الشرفاء والانعزال عنهم.. يرفض الشرفاء الهجرة إلى منطقة أخرى، لأنهم يستحيون من نظرة الغرباء.. الله غالبْ، بعض المقربين من المخزن أخذوا رزقنا.. ولكن ما ضاع حق وراءه طالب. خلق لنا هذا المشكل العقاري مشاكل مع أخوالنا الهواورة وأبنائهم، أيضا»، يردف الشرفاء.
دوار العلويين
انتقلنا إلى دوار «الشرفا»، حيث يقيم علويو سيدي رحال وأسرهم. خراب عارم يسود المكان، وأشغال التهيئة الطرقية وأوراش البناء أضفت عليه عشوائية منفرة.
عشرات الأطفال، من أبناء الشرفاء وغيرهم، يتراكضون فوق «الحْمري»، المحيط بمدرسة الشرفاء، يثيرون غبارا كثيفا زاد المكانَ قيظا، «هذه هي المدرسة التي درسنا فيها نحن ويدرس فيها حاليا أبناء الشرفا»، يشير مولاي عبد العالي العلوي، رئيس رابطة الشرفاء العلويين بسيدي رحال.
كانت منازلهم خاوية حينها، كما لم تُبْدِ للنسوة «الشريفيات» حركة. وحدها امرأة عجوز أطلّت من شق نافذة، في فضول، في حركة كسرت هذه الرتابة الذكورية، التي سادت هذا الدوار. أوضحه السبب وراء ذلك مولاي عبد العالي قائلا: «للشريفيات وضع خاص وسط العلويين، إذ ليس لديهن الحق في الإرث أو إعطاء الرأي والمشورة، كما أننا نلتزم بعادات العلويين حتى اليوم، فالمرأة تبقى في دارها ولا تخرج».
وماذا عن حقهن في تسيير أمور الرابطة؟.. سؤال أطلق مولاي عبد العالي عقبه قهقهات قبل أن يجيب: «أفكر أن نُدخل النساء إلى مكتب الرابطة التي أسسناها في التسعينيات، وسيصبح اسمها رابطة الشرفاء والشريفيات، المهم أن يكُنّ من المنطقة، لأننا لا نقبل الشرفاء العلويين المتحدرين من مناطقَ أخرى».
دخلنا إلى أحد بيوت علويي سيدي رحال، وتحديدا منزل مولاي مصطفى العلوي. منزل قروي اعترتْه فوضى واجتاحته عشوائية الصفيح. في الباب، كلب لم يكُفَّ عن النباح، ووسط الدار بضع غرف يقيم فيها مصطفى وأسرته. بالكاد، يتدبّرون أمور معيشتهم اليومية، حسب ما أكد رب الأسرة، «هذا هو حال العلويين في سيدي رحال: المعاناة والفقر، بعدما منعونا من كل شيء»، يستطرد مولاي عبد العالي.
قبل ثلاث سنوات، عقد أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية اجتماعا بمقر وزارته، مع والي جهة الشاوية -ورديغة وعامل إقليم سطات. أعقب هذا الاجتماعَ لقاء آخر، في 23 دجنبر 2008، حضره المعنيون بمشكل العلويين الفقراء في سيدي رحال، بمن فيهم مديرو الأوقاف والمساجد وناظر الأحباس ومسؤولون في عمالة إقليم سطات.
خُصِّص هذا الاجتماع، الذي حصلت «المساء» على نسخة من محضره، لدراسة كيفية تسوية الرسم العقاري رقم 13990 س في جماعة سيدي رحال، والمُحبَّس لفائدة الشرفاء العلويين من الذكور دون الإناث.
جاءت الاعترافات بمعاناة الشرفاء العلويين تباعا على لسان المسؤولين، الذين أكدوا أن غالبيتهم لجؤوا إلى التجزيء السري وإلى بيع حصصهم، نتج عنها «تفشٍّ خطير لظاهرة البناء العشوائي والسري وظهور تجمعات سكنية صفيحية وغير قانونية، تحمل سلبيات في الجانب الأمني»، يشير محضر الاجتماع.
تم الاتفاق، في هذا الاجتماع، على ضرورة اللجوء إلى المعاوضة العقارية، باعتبارها آخرَ حل لأزمة الشرفاء العلويين، إذ تم الاتفاق على إحصاء المعنيين بالعملية، من الشرفاء الذكور، قبل أن يُصرّحوا بموافقتهم على المعاوضة ويُسلّموا مبلغا ماليا مقابل حصولهم على الأرض.
«هذا حل يمكن من أن يكفل لنا حقنا في الأرض التي نملكها وليس لنا حق التصرف فيها، لكن الشخص الوحيد الذي بإمكانه حل مشكلنا نهائيا هو «سيدْنا»، فنحن أولى بذلك من الآخرين، نحن أبناء عمومته»، يختم مولاي عبد العالي العلوي.
علويو «الساحل والصحراء» مشاكل العلويين الفقراء كثيرة، إذن. غير أن المشكل الأكبر هو تفرقهم وتشتتهم. يصعب العثور على مُخاطَب واحد يتحدث باسم الشرفاء العلويين المغاربة. النقباء ورؤساء الرابطات كثر. هذا ما أكده محمد بن علي العلوي، رئيس رابطة الشرفاء الحسنيين العلويين، في فرع الخنيفرة و«الساحل والصحراء»، كما قال في تصريح لـ«المساء».
مجال عمل محمد بن علي العلوي واسع للغاية، إذ يتولى تنظيم أمور العلويين في مدينة الخنيفرة، التي يرأس رابطتَها المتفرعة عن الرابطة الكبرى، كما يُبرِز ذلك، فضلا على كونه يشرف على رابطة الشرفاء العلويين في «الساحل والصحراء»، وهو ما يعني تعهُّدَه أمورَ العلويين في منطقة الساحل الإفريقية الكبرى، بتفويض من نقيب العلويين. هذا ما يفسر أن محمدا بن علي العلوي موجود حاليا في العيون. «لا تهم شساعة المساحة، بل المهم هو إرادة العمل والبحث عن وسائلَ لتطوير أداء الرابطة»، يؤكد العلوي لـ«المساء».
يضطر البعد عن الرباط محمدا بن علي العلوي إلى عدم الالتزام بحضور اجتماعات الأمانة العامة لرابطة الشرفاء العلويين: «إذا أردت التنقل من العيون إلى الرباط، فإن ذلك يُكلّف مبلغا ماليا كبيرا، لذلك لا نحضر الاجتماعات، وفي المقابل، نحضر خلال التوقيعات على الدفتر الذهبي»، يردف العلوي.
قبل عامين، أُسنِدت لمحمد بن علي العلوي مهمة رئاسة «رابطة الشرفاء الحسنيين العلويين وأبناء عمومتهم بالمغرب والخارج» -فرع الخنيفرة. كان اختياره على رأس الرابطة وفق مساطر خاصة: «يكون تولّي منصب رئيس رابطة وفق التزكية، على غرار الأحزاب السياسية، ويَحسِم في هذه التزكية الأمينُ العامّ للرابطة. في المقابل، يمكن تأسيس منسقية في منطقة جغرافية واسعة أو جهة تجمع بين عدة مدن، تكون مهمتها التنسيق بين الرابطات في هذه الجهة والرئاسة»، يستطرد العلوي.
يضم مكتب فرع الخنيفرة تسعة أعضاء، ليست بينهم نساء. يمكن العلويات، في المقابل، وفق محمد بن علي العلوي، رئاسة اللجن والاشتغال فيها. كل هذه الأمور تكون وفق قانون أساسي تصادق عليه الأمانة العامة للرابطة.
يتطلب العمل داخل الرابطة، حسب العلوي، اجتهادا فرديا ومبادرات إلى عقد اتفاقيات مع جهات رسمية وجمعيات. مشاريع تشمل رابطة الشرفاء الحسنيين العلويين وأبناء عمومتهم بالمغرب والخارج -فرع الخنيفرة، بالأساس، رعاية برامج اجتماعية وتقديم مساعدات وتنظيم قوافل طبية، حسب العلوي. وتشمل الشراكات حتى جمعيات دولية. آخر الجمعيات جمعية فرنسية ساعدت الرابطة على إنشاء على موقع إلكتروني: «يقتصر عملنا على الاجتهاد الفردي، وكل واحد منا يستطيع أن يقدم شيئا، فضلا على العلاقات، وحاليا هناك الأنترنت، الذي تَحوَّل معه العالم إلى قرية صغيرة ويُمْكن التواصل بواسطته مع الجميع»، يختم العلوي.
شرفاء في قفص الاتهام
قبل حوالي أربع سنوات، اعتقلت مصالح الأمن في الحي الحسني في الدار البيضاء شخصا يدعى الشريف، يدّعي أنه من الشرفاء العلويين في سيدي رحال. اعتُقِل «الشريف» لأنه نصَب على عدة أشخاص باعهم قطعة أرضية في سيدي رحال ليست في حوزته.
يُذكّر من يلتقيهم، دوما، بنسبه «الشريف». وبلحية بيضاء، يُغري زبناءه ويُبعد عن أذهانهم كل شك، إلى أن صادف آخرَ الأشخاص الذين نصب عليهم وباعه قطعة أرضية بيعت مرات عديدة من قِبَله. اتصل الشخص ذاته برجال الشرطة القضائية للحي الحسني، الذين نصبوا له كمينا. تلقى «الشريف» اتصالا من أشخاص يقولون إنهم يرغبون في اقتناء أرضه. رحّب بهم واتفق معهم على موعد داخل مقهى في طريق آزمور، في الحي الحسني. كان هؤلاء الأشخاص رجالَ أمن.. ألقوا عليه القبض على الفور وأحالوه على القضاء، حيث أعاد المبلغ الماليَّ إلى صاحبه وأدى غرامة وقضى أياما في السجن... ليست هذه «الحالة» الوحيدة، فرفوف المحاكم تعُجّ بقضايا نصب اتُّهِم فيها أشخاص يدّعون أنهم شرفاء علويون. اضطر هذا الأمر الشرفاء العلويين إلى إعداد لائحة ضمّت أسماء «نقباء الأشراف المعتمَدين في المملكة المغربية الشريفة». تضم اللائحة التي حصلت عليها «المساء» اسم 63 نقيبا في عدة مدن، مُعيَّنين بظهائر شريفة وموزعين على عدة أنساب، علوية وغير علوية، بينهم البلغيثيون، اليعقوبيون، الأدارسة، اليوسفيون، المدغريون، العمرانيون، المناصرة، القواسم، البوكيليون، الجعافرة، الزيانبة، الكامليون، الكندريون، الوزانيون، الحجوجيون، البقاليون، الصافيون، الفطريون، الكركريون والوكيليون والعلميون... أًسنِدت إلى هؤلاء النقباء مهمة تنظيم أمور الشرفاء ومنح الشواهد الرسمية والبطاقات لمن يتقدمون بطلب بذلك، شرط إثبات النسب الشريف.
تفاصيل التنظيم الداخلي للشرفاء العلويين
يخضع الشرفاء العلويون في المغرب إلى تنظيم محكم، سواء على المستوى القبلي المحلي أو على الصعيدين الوطني والدولي. ويستمد هذا التنظيم مقوماته من الأسس الدينية والمذهبية المميزة للعلويين، دون غيرهم.
ينتظم العلويون، المنتمون إلى سلالات بعينها داخل جماعات محددة يعد تركها وهجرتها إلى أماكن أخرى خطيئة موجبة لِلعنةِ الشرفاء، حسبهم، وهو ما يُبرّر أن العديد من العائلات العلوية ظلت متماسكة داخل مدن وقبائل لمدة قرون، دون أن تفكر في الهجرة، إطلاقا.
تنظيم العلويين محليا مغلق للغاية، حسب ما أوضحه مولاي عبد العالي العلويين، رئيس رابطة الشرفاء العلويين في سيدي رحال، مؤكدا أن قواعد العائلة العلوية المؤسسة للرابطة لا تسمح بدخول شرفاء علويين آخرين إليها، كما أن انتقال شرفاء إلى أماكنَ أخرى، حيث يقيم علويون آخرون، يعتبر أمرا مَعيباً ويُفسَّر بالعصيان وبعدم الوفاء للأهل ولعائلة الشرفاء الأصلية.
يتشدد العلويون، كذلك، في أمور إثبات نسبهم وانتمائهم إلى الشرفاء وآل البيت، إذ يدأبون على الإدلاء بشجرة النسب كلما ازداد مولود جديد، بغرض إثبات انتمائه إلى السلالة العلوية في الحالة المدنية، كما أنهم أضحوا الوحيدين الذين من حقهم إضافة لقب «مولاي» أو «لالة» إلى أسماء مواليدهم، بعد منع هذا العرف سنة 1998، في عهد وزير الداخلية الأسبق، إدريس البصري.
يصل التشدد في إثبات النسب الشريف لدى العلويين إلى درجة أنهم يذكرون سلالتهم من الأب إلى الجد الأكبر، إذ لا يقتصرون على ذكر الاسم والكنية فقط، بل يستعرضون سلالتهم كاملة، وصولا إلى النبي محمد، في عقود الزواج والوثائق الرسمية.
تُفسِّر أهمية السند العائلي لدى العلويين حرصَهم على تنظيم أمورهم بشكل محكم، عن طريق استحداث مهامّ تسند إلى أشرافهم، ومن بين هذه المهام لقب «المزوار»، الذي يطلق على أكثر القبيلة العلوية شرفا واطّلاعا على شجرة نسب العائلة، إذ يتولى «المزوار» (الشيخ بالأمازيغية) جميع أمور العلويين، كما أنه لا يمكن تضمين لقب علوي في شهادة ميلاد طفل إلا بشهادة منه تثبت نسبه.
تطور التنظيم الصارم للعلويين واستُبدِل لقب «المزوار» بالنقيب، الذي أصبح يحظى باعتراف رسميّ، كما أحدث رابطات تُنظّم أمور العلويين في جميع المناطق المغربية وتعمل على إعداد البطاقات وظهائر التوقير والاحترام، المكفولة للشرفاء العلويين، بعد ضبط حالات لمنتحلي صفة «شريف»، رغم عدم توفرهم على ما يثبت هذا الأمر قانونيا.
تتوفر كل رابطة للشرفاء العلويين على قانون أساسي يقضي بانتخاب مكتب الرابطة كل ثلاث أو ست سنوات، وهو الأمر ذاته الذي تخضع له الرابطات العلوية الوطنية، والتي يشمل دورها تنظيم زيارات دولية على مستوى عالٍ.
وللمرأة في التنظيم العلوي وضع خاص، فهي لا ترث ولا تشارك الرجال أمور التسيير، كما يُمنَع عليها تقديم الآراء في الأمور التي تخُصّ العائلة العلوية الكبرى، بينما تلجأ بعض الأسر العلوية إلى إجبار العلويات «الشّْريفياتْ» على ملازمة البيت وارتداء النقاب التقليدي، إذا اضطررن للخروج.
رئيس رابطة العلويين للمساء: ليس لنا أي تأثير على الدولة : مولاي هاشم العلوي: نتعاون مع رابطات عالمية وبطاقة الشرف لا تخول لنا أي امتياز
في هذا الحوار، يبرز مولاي هشام العلوي، رئيس رابطة الشرفاء العلويين في المغرب والخارج، جوانب تتعلق بحياة العلويين في المغرب وبصلاتهم بالشرفاء في دول أخرى، كما يكشف طريقة تنظيمهم والمشاكل التي تعترضهم.
- ما هو تأثيركم على الدولة ومختلف الهيآت الوطنية والدولية؟
> ليس لنا تأثير على الدولة، أكثر مما هو تعاون، فهي تستعين بالرابطة باعتبارها جزءا من المجتمع المدني النشيط الذي يُعوَّل عليه في شتى الميادين والمجالات الدينية والاجتماعية والثقافية والتربوية، من خلال دعم المبادرات التي تصبّ في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
أما بالنسبة إلى الهيآت الوطنية والدولية فهناك نوع من التنسيق والتعاون وتبادل الأفكار، ويتجلى ذلك، في الأساس، مع رابطات عالمية أخرى، مثل الرابطة العلمية العالمية للأنساب الهاشمية بفي لندن، ورابطة السادة الأشراف في مصر، بإضافة إلى مجموعة من النقباء العلويين في المغرب والجمعيات التنموية.
- هل تتدخلون لتحسين أوضاع الشرفاء العلويين، خصوصا الذين يعيشون ظروفا مادية صعبة؟.. هل توزّعون عليهم، مثلا، بطاقات تضمن استفادتهم من خدمات اجتماعية؟
> يتمثل مستوى تدخل الرابطة لتحسين أوضاع الشرفاء في دعم المبادرات والمشاريع المُدرّة للدخل. أما في ما يخص البطاقات التي تسلمها الرابطة، فهي فقط لانخراط الشرفاء ولا تُخوِّل لهم أي امتياز بقدْر ما توجب لهم الاحترام والتقدير، الذي تخوله لهم الظهائر الملكية الشريفة.
- ما هي مشاكل الشرفاء العلويين حاليا، وما هي حلولكم لتجاوزها؟
> أمام الظروف المأساوية التي يعيشها الشرفاء في تافيلالت بالأخص. ونظرا إلى غياب فرص العمل، أصبح العدد منهم يفكر، وبدون تحفُّظ، في مغادرة المنطقة، للتخلُّص من الفقر المدقع ومن مرارة العيش.
لكنْ، من جهة أخرى، لا مفر للشرفاء من تنمية منطقتهم بأنفسهم، خاصة بعد إطلاق مشروعَ غرس مليون نخلة في منطقة تافيلالت، في أفق سنة 2015، والذي رُصِدت له اعتمادات مالية
تبلغ مليار و250 مليون درهم، وهو المشروع الذي ينتظر أن يُغيّر من الوضع الاقتصاديَّ والاجتماعيّ في منطقة تافيلالت، التي تُعتبَر مهد الدولة العلوية الشريفة، والتي يجب الحفاظ على معالمها
عبْر ترميم قصورها وقصاباتها.
ما الذي يجمع بين علويي المغرب والمشرق
الأسر العلوية هي الأكثر تفرّعا وتعددا من بين عشرات العائلات السلالية ذات النسب الشريف المقيمة المغرب، إذ يتفرقون على أصول وأنساب مختلفة، ويتوزعون على مختلف مناطق المغرب، خاصة في تافيلالت، التي ما يزال يقيم فيها العلويون المُتحدِّرون من صلب مولاي علي الشريف مباشرة.
ويُرجع المُؤرِّخون سبب تعدد فروع العلويين في المغرب إلى تعدد أصولهم. وهو ما جعلهم يتوزعون على عائلات علوية كبرى، بداية من الفيلاليين والبلغيتيين والمرانيين وأولاد مولاي الطاهر والمدغريون وأولاد شاكر وبنو موسى وشرفاء صوصو والفضيليون وأولاد بنصر، وصولا إلى الإسماعليين، الذين يُعتبَرون من أكثر العلويين مكانة وشأنا في المغرب، كما أنهم الأكثر انتشارا وتعددا، والسبب خاصية تَفرَّد بها المولى إسماعيل وأدخلتْه موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية، وهي أنه تزوج بعدد كبير من النساء وولد حوالي 1000 ولد وبنت.
نظرا إلى تعدد ذرية المولى إسماعيل، فقد تعددت أحوالهم وظروف حياهم، إلى اليوم، والسبب يرجع إلى أن هذا السلطان، الذي يُعَدّ المؤسسَ الفعليَّ للدولة العلوية، كان يفرق بين أبنائه حسب قرب الزوجة منه وأهميتها عنده، إذ كان يخصص دفترا سلطانيا لتسجيل زوجاته وأبنائه، حسب مكانتهم عنده. كما تعدد عدد أحفاده، أيضا، وفاق 170 حفيدا، وهو ما أثّر على مكانتهم الرمزية والسلطوية إلى اليوم وساهم في ظهور علويين فقراء، رغم أنهم يتوفرون على شجرة الأنساب التي تقودهم إلى الجد المشترَك، مولاي إسماعيل.
وإذا كان أسلاف علويي اليوم مُتعدِّدين، فإن نسبهم يمتد به إلى الأصل ذاته، وهو محمد النفس الزكية، أحد أحفاد الإمام الحسين وأخ المولى إدريس الأول، والذي يُعتبَر مُؤسِّسَ حركة العلويين في التاريخ الإسلامي، الداعية إلى نصرة الإمام علي، ويتوزع أتباعها، من الشرفاء، في مختلف البلاد الإسلامية، خاصة العراق وسوريا والأردن وتركيا والمغرب. سيُفرِّق تفرُّعٌ عائلي علويي المغرب والمشرق في ما بعد، إذ انقسموا إلى العلويين الحسينيين، الذين بقوا في المشرق، والعلويين الحسنيين (نسبة إلى الحسن بن القاسم) الذي كان أولَ من انتقل من العلويين إلى المغرب.
رغم الاختلاف العقائدي بين علويي المشرق، الذين يتْبع أغلبهم المذهب الشيعي، وعلويي المغرب، الذين يدينون بالمذهب السني، إلا أن روابط التواصل بينهم ما زالت قائمة إلى اليوم، وهذا ما تعكسه وثائق تاريخية لسلاطين علويين مغاربة وخارجة الزيارات الخارجية لرابطات الشرفاء العلويين في العالم بأسره، وحتى العلاقة الوطيدة بين الملك محمد السادس وبعض الأسرة العلوية الحاكمة، وفي مقدمتها الأسرة العلوية الهاشميّة في الأردن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق