المبادرة الوطنية للتنمية البشرية

الجمعة، 24 مايو 2013

حين يقتل «حملة الســــــلاح» زملاءهم في المهنة!

جل رجال الأمن يعانون مشاكل مادية ومن قرار التشطيب وضغوط نفسية وعائلية وغياب مراكز الاستماع لمعاناتهم
حسن البصري / المساء 
بين الفينة والأخرى، يخطئ بعض حملة السلاح، من رجال الأمن الوطني والدرك الملكي والقوات المسلحة الملكية، والقوات المساعدة والجمارك وحرس الغابات والسجون، الهدف، فيصوبون فوهات أسلحتهم النارية صوب زميل في المهنة يردونه قتيلا أو يلحقون به إعاقة دائمة. وليست فاجعة بلقصيري سوى نقطة في كأس القلق، فعلى امتداد تاريخ الأمن النظامي، كان الرصاص عملة في سوق الكرامة، وحين تضيق الأحوال وتجثم غيمة الغضب، يضغط رجل الأمن على الزناد، لكن الهدف ليس مجرما فارا من العدالة أو صاحب سوابق يشكل خطرا على العباد والبلاد، بل زميلا يقتسم معه الزي ومتاعب المهنة، في ما يشبه التمرد على رفقة السلاح والألم. تحقيق التالي يحملنا إلى أشهر حالات التصفية ضد زملاء المهنة، ويرصد جوانب الخلل في المنظومة الأمنية، التي تجعل من السلاح الحد الفاصل بين الإهانة والكرامة، ويقدم حكايات دموية لنيران صديقة، قد تنتهي بالانتحار أو بكشف الأسرار، فقط لأن الفاعل لا يملك القدرة على ضبط توازنه النفسي، أو لأن المفعول به لا يعرف أن الضغط يولد الانفجار.
يحفظ كثير من المتدربين على حمل السلاح في مختلف المؤسسات التكوينية، عن ظهر قلب مضامين دليل رجل الأمن والدركي ونظام العسكري والجمركي، يتذكرون تعليمات تحذر من مغبة الاستهتار بالسلاح الناري، حتى لو لم يكن مشحونا بالذخيرة فإنه يتطلب الحذر، كما يردد أساتذة الأكاديمية في مناسبات عديدة. «لا توجه فوهة أي سلاح ناري سواء كان مشحونا بالذخيرة أو فارغا منها، نحو أي شيء أو أي شخص إن كنت لا تنوي تدميره. على حامل السلاح التحلي بالحيطة والحذر كثيرا عند حمل الأسلحة النارية. إنها عادة يتعين اتباعها مدى الحياة، لأنه قد تفقد صديقا عزيزا في لحظة سهو».
في مدارس التكوين العسكري والأمني، يردد الأساتذة هذا التحذير حتى يحفظه المتدربون عن ظهر قلب، لكن لا أحد يعلم ما تخفيه الظروف والتقلبات المناخية للحياة، فما أن يرتدي المتدرب بذلة العمل ويصبح في مواجهة صريحة مع الزمن، حتى تنتابه بين الفينة والأخرى لحظات الأنا، فيعتقد أن السلاح الناري الذي يرقد في غمده، آلية من آليات السلطة، وكلما تعرضت الأنا إلى خدش من طرف الآخر، ارتفع مؤشر القلق الذي ينتقل إلى درجة التهديد بالتصفية، لاسيما إذ عجز هذا الأخير عن ضبط النفس الأمارة بالثأر، وفرملة الانفعالات التي تتزاحم في ذهنه، وحين تنفلت عقارب الدماغ من دائرتها يتحول التهديد إلى سلوك عدواني قد ينتهي بفاجعة.
كثير من الحالات التي استعمل فيها «حملة السلاح» عياراتهم النارية، كانت ضد الذات، أو ضد الأهل والأقارب والأحباب ثم ضد الزملاء في مهنة الحديد والنار، رصاص كثير اخترق رؤوس الأمنيين بمسدساتهم أو اخترق أجساد رؤساء ومرؤوسين، بينما يتعاطف السلاح مع المجرمين، وغالبا ما يكون أداة للترهيب ليس إلا، لكن غالبا ما يكون للتصفية الجسدية إرهاصات قد لا تحمل محمل جد فتحصل الكارثة، لغياب رؤية استباقية لما قد يحدث من كوارث.

تغييب الجانب النفسي
رغم أن معاهد تكوين رجال الأمن وثكنات تكوين الدركيين والعساكر وأفراد القوات المساعدة وغيرها من المؤسسات التي تؤهل حملة السلاح، تصر على انتقاء المرشحين لولوج مرافقها بعناية، لكن معايير الانتقاء تشترك في شروط نمطية كالجنسية المغربية والسن القانوني والأهلية البدنية وطول القامة وسلامة البصر، طبعا إلى جانب تحقيق النجاح في مباراة الالتحاق بهذه المؤسسات التكوينية، إلا أن الجانب النفسي يظل مغيبا في ولوج هذه المرافق، إذ يسيطر شرط اللياقة البدنية على بقية الشروط، فلا داعي للبحث عما إذا كان المرشح لوظيفة تجعله من حملة السلاح، يعاني من اضطرابات نفسية أو أنه سوي الظاهر والباطن، من خلال جلسة مكاشفة يتخللها اختبار سيكولوجي، وهذا التغييب غير المقصود تنجم عنه مضاعفات مقصودة، قد تنتهي بأحداث دامية لا ينفع فيها الندم. إن الإشكال الجوهري يكمن في التركيز على الحالة البدنية للمرشح وضرورة خلوه من الأمراض العضوية، بل الأدهى من ذلك، أن المرشح يكون ملزما فقط بتقديم شهادة طبية تثبت «أهليته البدنية»، وهي الشهادة التي يمكنه الحصول عليها من طرف طبيب عمومي حتى دون أن يزوره.
يرى (م-ر) عضو التنسيقية الوطنية لنساء ورجال الأمن الوطني في حديثه لـ«المساء» أن الضغط النفسي وحالات القهر التي يعيشها حامل السلاح هي مصدر الكوارث التي تعيشها أسرة الأمن، «الحالات المسجلة ليست وليدة اليوم فهي قديمة، فقد فقدنا زملاء في المهنة بسبب مشاكل شخصية عائلية أو عاطفية وأحيانا لها علاقة بضغط العمل، وغالبا ما لا تكون حالات منفردة، لكن رجل الأمن يعاني في صمت، يحتج داخليا لأنه ممنوع من الانتماء لجهاز نقابي يفرغ فيه هواجسه، وهو ليس كبقية الموظفين، فقرار التشطيب يهدده كل يوم، إذ بجرة قلم يمكن أن يصبح في خبر كان ويعيش هو وأفراد أسرته التشرد، أغلب رجال الأمن عليهم ديون ولا أحد ينتبه لذلك، كما أن التنقيلات التعسفية تساهم في رفع درجة الضغط الذي يتحول إلى انفجار».
ويرى عضو التنسيقية بأن عدد رجال الأمن الذين تم التشطيب عليهم، يناهز 1200 عنصر، أغلبهم يعيش تحت خط الفقر، في ظل غياب جبر للضرر على غرار المطرودين من مختلف أسلاك الوظيفة العمومية.
ويرى (س-ك) دركي مطرود يشغل مهمة رجل أمن خاص في ملاعب الكرة، بأن حملة السلاح لا يخضعون لمتابعة نفسية دقيقة، «الانتحار أو قتل الرؤساء في العمل ناتج في غالب الأحيان عن غياب تام لقسم الاستماع لمعاناتهم على مستوى كل دركية، فالموظف الحامل للسلاح هو مواطن عادي يختار المهنة هروبا من الفقر، يأتي إليها محملا بأعباء الدنيا ومشاكلها، لكن المجتمع يعتقد أن تقمص مهنة حامل سلاح تعني انتهاء المشاكل. هذه المسؤولية لا يتحملها الجاني بقدر ما تتحملها الدولة  إذ لا وجود لتعاونيات تخفف العبء، لا وجود لامتيازات اجتماعية، لا وجود لمتابعة نفسية، تشغيل أبناء رجال الدرك والأمن والعسكر مطروح بقوة، هناك غبن حقيقي وعلينا انتظار الأسوأ».
انتبهت الدولة إلى أهمية العامل النفسي وبادرت بعض الأجهزة الأمنية إلى انتداب أخصائيين نفسانيين أو أطباء لهم إلمام بالمسألة النفسية، بينما راهنت قطاعات أمنية على المقاربة الوقائية من خلال تعزيز منظومة الأعمال الاجتماعية، على غرار مؤسسة الأعمال الاجتماعية للقوات المسلحة الملكية والأمن الوطني وجمعية الأخوة للأعمال الاجتماعية للدرك الملكي وغيرها من التنظيمات الموازية، لكن الحاجة إلى مراكز استماع تمكن حملة السلاح من البوح والتفكير بصوت مرتفع من شأنه أن يحد من ظاهرة التقتيل. لكن كيف يمكن الاهتمام بالمسألة النفسية لدى قطاعات معينة والدولة تغيب هذا الجانب، حيث إن المغرب الذي يتجاوز عدد سكانه 34 مليون نسمة لا يتوفر إلا على 450 طبيبا نفسانيا؟، وكم سيكون نصيب القطاعات الأمنية من هذا النفر الضئيل؟، وهل تملك خلايا الاستماع إن وجدت الحق في اتخاذ تدابير لفائدة الموظف الأمني، أم أنها تكتفي بالاستماع دون أن يكون لها حق اقتراح التدبير الوقائي المفترض؟.
يقول البروفيسور توفيق جلال، في حوار مع مجلة الشرطة، في عددها 65 «إن المغرب يواجه الكثير من التحديات في مجال الصحة النفسية، من قبيل الجهل ونقص الوعي بالصحة النفسية، بسبب اللااعتراف الذي تحظى به الاضطرابات النفسية من طرف الناس كاضطرابات طبية، هذا بالإضافة إلى التحدي المتعلق بالموارد البشرية».
ويرى كثير من مهنيي القطاعات الأمنية بمختلف تخصصاتها، أن التصدي لظاهرة تصفية الذات أو قتل الآخر، زميلا كان أو مواطنا عاديا، يبدأ بإجراءات عملية غير مرتبطة بمناسبات دامية، و«القيام بفحوصات سنوية دورية تمس كل حملة السلاح، ومن خلال هذه الفحوصات النفسية والطبية نتعرف على حالات معينة تتخذ لصالحهم عدة إجراءات أولها التجريد من السلاح، وتغيير منصب العمل وفي الحالات الخاصة جدا يتم تقريب الفرد من مقر سكناه، ثم تتم متابعته نفسيا». في ولايات الأمن والمقرات الجهوية للدرك وثكنات الجيش والقوات المساعدة ومصالح السجون والمياه والغابات والجمارك، لا يمكن أن تجد مصلحة كتب عليها «مصلحة المتابعة النفسية»، وفي حالة وجود حالة انفلات نفسي يتم تحرير محضر عاجل فينزع السلاح ويحال المعني على التحقيق بدل إحاطته بالعناية النفسية، علما أن أول شخص يتعرض للعنف الجسدي واللفظي من مرؤوسيه ومن الشارع هو رجل الأمن، ومجالات تدخله متشعبة وفي كل مكان وطيلة أيام الأسبوع.
إن إنهاء حرب التصفية الجسدية ضد زملاء المهنة، وتحديدا بين الرؤساء والمرؤوسين، يبدأ حسب بعض المهنيين بتحسين أوضاع حملة السلاح، واتباع منظومة ترقية مرنة، وتفعيل العمل الاجتماعي بين العاملين في القطاعات الأمنية، ووضعهم في مأمن من جبروت بعض الرؤساء الذين يحرضون النفس، من حيث لا يشعرون، على إزهاق الأرواح، وتحسين أوضاع هذه الفئة، إذ لا يتقاضى رجل الأمن تعويضا عن حمل السلاح مقابل تعويض يناله الدركيون لنفس المهمة في حدود 700 درهم، ناهيك عن وجود «حملة سلاح» في وضعية نفسية صعبة.

انتقام للكرامة
حين قابل بوشعيب الرميل، المدير العام للأمن الوطني، شخصيا مقدم الشرطة محمد البلوطي المتهم بقتل الأمنيين الثلاثة، يوم الأحد الماضي، بمفوضية الشرطة بمدينة مشرع بلقصيري، التابعة لنفوذ المنطقة الإقليمية لسيدي قاسم، تبين له أن الجريمة حملت بعدا انتقاميا وحربا ضد الكرامة، وكشفت التحقيقات الأولية عن علاقة عمودية قوامها التسلط والفساد، في ظل تحويل الحواجز القضائية «الباراج» إلى ريع اقتصادي مدر للدخل، كما أكد الفاعل الأساسي وجود إتاوات وقدم تفاصيلها المملة، في زمن يعيش فيه من بقايا راتب لا يسمن ولا يغني من جوع. لكن أغرب ما أدلى به الرجل للمحققين هو شهيته المفتوحة للقتل، إذ كان «يعتزم قتل المزيد من عناصر الأمن»، ونفى نفيا قاطعا أن تكون له أي نية في الانتحار، إذ قال «لن أنتحر، ولن أقوم بمثل ما قام به رجل الأمن بسطات، حتى لا يقال إن السطاتيين ينتحرون، هدفي أن يعرف الرأي العام الحقيقة». أفرغ الشرطي رصاص مسدسه الذي كان محشوا بـ25 رصاصة، استقرت في جسد صديقه رشيد بقادير، الذي كان قد احتسى معه كأس شاي بمقهى مجاور لمبنى المفوضية قبل وقوع الجريمة بدقائق معدودة، والباقي في رأسي زميلين في ما يشبه أفلام الرعب.
نيران صديقة 
في صيف 2009، أقدم دركي بمركز الدرك الملكي بإمزورن بإقليم الحسيمة، على إطلاق النار على زميل له في العمل يتقلد وظيفة نائب رئيس المركز، ليتم نقله فورا إلى غرفة العناية المركزة بمستشفى محمد الخامس بالحسيمة جراء إصابته برصاصتين، إحداهما استقرت في صدره والثانية أصابته بإحدى ساقيه، حرصت القيادة الجهوية للدرك بالحسيمة على التكتم حول القضية، بينما تسربت أخبار عن حالة القلق التي تسيطر على دركيي المنطقة بسبب تهديدات المسؤول الجهوي، الذي اعتقل في الأسبوع ذاته خمسة دركيين بدل المهربين. وحين «كبرت» القضية، حرر القائد الجهوي محضرا يدين رجال الدرك الخمسة بالتعاون مع مهربين، وهو ما زاد من جو الاحتقان السائد في سريات الدرك بالإقليم الذين كانوا يواجهون قناصي المنطقة فانتبهوا إلى وجود قناص على رأس القيادة الجهوية.
وفي شمال المملكة، وتحديدا بشفشاون الهادئة، توفي دركي آخر على يد زميله، بعد أن وجه له سبعة عيارات نارية أصابته أربعة منها، فيما أخطأت الثلاثة هدفها، بعد شجار بين الدركيين لم ينفع معه تدخل ذوي النيات الحسنة. كان الضحية والمتهم يمارسان عملهما في مدارة «دردارة»، التي تعتبر البوابة الرئيسية نحو حقول الكيف بمنطقتي باب برد وكتامة، إلى حدود الثانية عشرة زوالا من يوم الفاجعة، قبل أن يتوجها إلى مقر الدرك الملكي في شفشاون، حيث اندلعت ملاسنات بينهما تطورت إلى شجار استعمل خلاله أحدهما سلاحه الناري، فوجه سبعة عيارات نارية أصابت الضحية وكتبت على الجدران بالرصاص الحي عبارات التمرد.
 فاجأت الفاجعة سكان المدينة، لكنها لم تفاجئ عناصر الدرك بهذه السرية، لأن الضحية هو الرئيس المباشر للمتهم، ومارسا عملهما معا سنوات في المنطقة، مشيرة، في الوقت نفسه، علما أن منطقة «دردارة»، حساسة جدا وتعتبر المنفذ الرئيسي لتهريب المخدرات. كما شهدت عدة مواجهات بين السكان والسلطات احتجاجا على اجتياح المنازل بدعوى محاربة وملاحقة مزارعي الكيف.
وفي نفس السنة، وقعت حادثة، غير مماثلة، في أكادير، حين أرسل دركي عن طريق الخطأ طلقة نارية في جوف زميل في المهنة، قادته إلى المعتقل وحولت رفيق الدرب إلى المقبرة، الحادث وقع  حينما كان الدركي يفحص مسدسه، قبل أن تنطلق منه رصاصة قاتلة أصابت زميله الذي كان يرافقه في أداء مهمة الحراسة في الثكنة المذكورة.
الرصاص في ثكنات العساكر

في نهاية شهر أبريل، عرفت ثكنة الجزيرة العسكرية المتاخمة لمدينة العيون حالة قتل رهيبة اهتزت لها فصائل الأمن في الصحراء، بعد أن شاع خبر إقدام جندي برتبة عريف في القوات المسلحة الملكية على قتل زميل له برتبة رقيب قبل أن ينهي حياته، بعد أن أصاب خمسة جنود آخرين، ثلاثة منهم برتبة عريف، يعيشون اليوم بعاهات مستديمة.
أصل الحكاية، حسب التحقيقات وشهادات الزملاء، نقاش بين الجنود التابعين للبحرية الملكية في منطقة «الجزيرة» العسكرية التي تبعد عن فم الواد الشاطئية شمالا بـ20 كلم، فانتهى بمجزرة، إذ أفرغ رصاص «كلاشينكوف» في زميله العريف وأصاب زملاءه، العريف القاتل والمنتحر كان ضمن مجموعة من الجنود المرحلين قبل فترة من منطقة العركوب، مما يرجح فرضية عدم الاندماج مع المحيط الجديد. أحيطت الفاجعة بتكتم شديد، وحاول خصوم وحدتنا الترابية استغلال الحادث الدامي إعلاميا، مما أقبر التحقيق وحال دون معرفة الملابسات الحقيقية لحادث ثكنة منطقة الجزيرة العسكرية، وهي من المراكز العسكرية التي تراقب الهجرة السرية من الشواطئ المغربية الجنوبية.
وكما يحصل عقب كل فاجعة من هذا النوع، فقد أمر الجنرال دوكور دارمي عبد العزيز بناني، المفتش العام للقوات المسلحة الملكية وقائد المنطقة العسكرية الجنوبية، مباشرة بعد حادث ثكنة «دزيرا»، بإجراء أبحاث نفسية حول مجموعة من العسكريين من خلال جلسات استماع يشرف عليها أطباء نفسانيون، للوقوف على الحالة النفسية لعدد من الجنود.

الشيب وقار حتى في لحظات الغضب
قبل ست سنوات، أقدم رجل أمن تابع لقوات التدخل السريع على «هجوم» على ثكنة الفرقة الأمنية بحي اليوسفية، مخلفا وراءه حالة استنفار قصوى، إذ داهم مقر التجمع وأشهر مسدسه في وجه رئيس الثكنة الذي سقط أرضا قبل أن يجد نفسه تحت رحمة فوهة مسدس جاهز للإبادة، لكن وخزة ضمير انتابت الفاعل، وقال لرئيسه بصوت جهوري «جيتيني قد الوالد كنت غادي نصفيها ليك»، ولعن الشيطان الرجيم وصرف النظر عن قتل الكولونيل الذي عانى من مضاعفات هذا الحادث، الذي يرجع للضغط الكبير الذي عانى منه شاب وجد نفسه أمام محنة التنقيل التعسفي والعيش بدراهم لا تكفي لمكافحة الجوع والعطش، والأنكى من ذلك قفشات وسخرية زملائه التي لا تتوقف عن إذلاله.
وفي سيناريو مشابه، أقدم (ع د) دراجي برتبة مقدم على قتل خطيبته ووالدها، في صيف 1997 بمدينة الدار البيضاء رميا بالرصاص، قبل أن يتوجه صوب منزل رئيسه في حي درب غلف وتحديدا بحي المهدية المخصص لسكن رجال الأمن وأرداه قتيلا، مخلفا وراءه عشرات الأسئلة حول الفعل الدرامي، الذي حول رجل أمن إلى شخص ثائر قادر على قتل أقرب المقربين إليه.
في حي لمصلى بطنجة، يدلك رجال الأمن على زميل سابق انضم إلى الباعة المتجولين، بعد أن أشهر مسدسه خلال فترة الخدمة الأمنية، في وجه رئيسه بولاية أمن طنجة، حيث اقتحم المكتب وصوب سلاحه الناري في محاولة قتل مع سبق الإصرار والترصد، لكن لمسة خاطفة من سكرتير المسؤول الأمني رفعت الرصاصة فوق العارضة بسنتميترات، وحالت دون فاجعة حقيقية كانت ستكشف عن أسرار رجل أمن ردد أمام المحققين لازمة «ما أنا إلا بشر».

إعدام شرطي في اليوم العالمي لحقوق الإنسان
شاءت الصدف الماكرة أن تصدر محكمة الاستئناف بمدينة مكناس في العاشر من دجنبر الماضي، قرارا بإعدم شرطي ارتكب جريمة السرقة المرفوقة بالقتل العمد، وصادف القرار الاحتفال العالمي باليوم العالمي لحقوق الإنسان. أصل الحكم الذي هز أركان المحكمة يرجع لظروف التشديد التي أحيط بها الملف، لأن المتهم رجل أمن يفترض فيه توفير الحراسة اللازمة للمواطن المغربي العائد إلى الوطن بعد سنوات من الاغتراب.
داهم رجل الأمن شقة المهاجر ونكل به وبخليلته، وقبل أن يغادر الشقة بحي الزيتونة جمع ما خف وزنه وغلا ثمنه، رفقة شريك له في الجريمة، وضع حدا لحياته بالسجن المدني سيدي سعيد بمدينة مكناس خلال السنة الماضية.
حكم الإعدام أملته عوامل أخرى، لأن الشرطي له سوابق في الجرم «الأمني» إذ لم يمر على تعيينه في سلك الشرطة إلا أيام حتى سجل في تاريخ الأمن الوطني واحدة من أبشع الجرائم ضد الزملاء، وكان ذلك في سنة 1975 حين أفرغ خمس رصاصات في رأس زميل له في المهنة، واستولى على مسدسه الشخصي، فتم اعتقاله وحوكم بالمؤبد. لكن نوايا الإجرام ظلت تحرك الرجل وتعبث بمشاعره إذ قتل حارس المعتقل في السجن المدني بالقنيطرة سنة 1980، فحوكم أيضا بالمؤبد مرة أخرى، قبل أن يستفيد من العفو الملكي لسنة 1994، وتمكن من مغادرة السجن بعد قضائه عقدين من الزمن بين أسواره. لم يجد الرجل ما يقتات منه فامتهن السرقة تارة والتسول تارة أخرى، وحين ضاقت به الأحوال انتبه إلى أن السجن أهون من الشارع، على الأقل يوفر السكن غير اللائق والتغذية التي تسد الرمق، فهدته نعراته الإجرامية إلى السطو على سكن متقاعد كان في حالة خلوة رفقة خليلته، ولم يكتف بالسرقة بل مارس القتل والتنكيل في أبشع مظاهره انتقاما من مجتمع حوله إلى مطارد من طرف رجال الأمن بعد أن كان يحمل صفة رجل أمن.
كان النطق بالإعدام في العاشر من دجنبر، الذي يتزامن واليوم العالمي لحقوق الإنسان، مفارقة تحولت إلى جدل بين الحقوقيين، لاسيما وأن آخر حكم بالإعدام في تاريخ القضاء المغربي يرجع لسنة 1993 في ملف الحاج ثابت الذي أعدم رميا بالرصاص.

رصاص ضد مدير السجن
أصدرت غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بفاس عقوبة حبسية نافذة في حق حارس سجن معتقل بعين قادوس يدعى (ت-أ)، بلغت العقوبة خمس سنوات، أي نصف الحكم القضائي الابتدائي الذي قضى بسجن الجاني لمدة خمس سنوات، مع مضاعفة مبلغ التعويض المدني لفائدة مدير سجن عين عائشة بنواحي تاونات، من 3 إلى 6 ملايين سنتيم، بعد أن ارتأت هيئة الحكم، إعادة تكييف القضية على نحو آخر.
أصل الحكاية يرجع لإحدى ليالي نونبر من سنة 2010، حين أطلق حارس السجن الرصاص المطاطي على مدير سجن عين عائشة في محاولة قتل، وبرر الفاعل قصفه، بكونه في حالة خطر حين أطلق الرصاص على المدير، بعد أن اعتقد، حسب دفوعات محاميه، بأنه شخص غريب عن المؤسسة، بالنظر إلى ضعف الإنارة على السلم المؤدي إلى البرج الذي كان يحرسه، ما كانت معه الرؤية غير واضحة. وأكد دفاع مدير سجن عين عائشة المنقل بعد ذلك إلى الرباط، أن موكله تعرض إلى محاولة قتل، من قبل الموظف الذي كانت له عداوة معه لأسباب مختلفة، وتعرض إلى التوقيف، بعد تشنج علاقتهما، خاصة بعد رفض القبول بانتقاله إلى أحد السجون بالمنطقة الشمالية. في المحكمة، كما في وسط مديرية السجون، دار سجال عميق حول النية الإجرامية، وحول العلاقة بين الرئيس والمرؤوس، بل إن المدان أكد في اعترافاته، أنه شاهد شخصا غريبا في ليلة من أواخر نونبر 2010، يدنو من برج بالسجن حيث كان مكلفا بالحراسة، قبل أن يطلق عليه الرصاص ، دون أن يعلم أنه المدير، للخطر الذي كان يشكله عليه وعلى المؤسسة التي يحرسها. لكن الغريب في النازلة أن الذخيرة لم تكن حية بل مجرد رصاص مطاطي، كانت طلقة منه كافية لتردي المدير أرضا وهو في حالة غيبوبة وسط بركة من الدماء بعد أن أصابته الرصاصة في الجهة اليسرى لبطنه. علما أن بندقية الحراسة كانت ما تزال معبأة برصاصات مطاطية أخرى، لم يشأ المتهم استعمالها.
والأغرب أن الرصاصة المطاطية التي تستعمل لترهيب السجناء، قد اخترقت بطن المدير الذي خضع لعملية جراحية دقيقة لنزع واستخراج شظايا الرصاصة اللئيمة، بالمركز الاستشفائي الحسن الثاني بفاس. أما السجناء فتبين لهم أن رصاص الحرس مطاطي، لكنه قادر على اختراق الأجساد فآثروا الصمت.

تمرد  على الرؤساء
رغم أن رجال القوات المساعدة هم أكثر القوات الأمنية مهادنة للرؤساء، إلا أن قيادة «لمخازنية» بإيفران تخلصت من برودة العلاقات وصنعت الحدث، حين أقدم رقيب في سلك القوات المساعدة التابعة للقيادة البلدية لمدينة الثلوج على قتل ضابطين من رؤسائه. تقول شهادات الحاضرين إن  الحادث وقع إثر مشاداة في إطار العمل، وأن الرقيب ذهب إلى منزله ليعود محملا ببندقية قنص شخصية في حدود الساعة الرابعة بعد الزوال إلى مقر البلدية، حيث أطلق النار على القائد الإقليمي ليصيبه إصابات قاتلة، قبل أن يردي القائد البلدي قتيلا هو الآخر، وكأنه في رحلة قنص بغابة عوا.
فارق الضابط الحياة وهو في طريقه، على متن سيارة إسعاف، إلى المستشفى العسكري بمكناس، بينما تمكنت مصالح الأمن من إلقاء القبض على الجاني، الذي كان قد لاذ بالفرار عقب ارتكابه الجريمة، وذلك عند مخرج إفران باتجاه رأس الما. ونقل جثمان الضابط، وهو في عقده الرابع، إلى تطوان مسقط رأسه حيث ووري الثرى، لزم الجاني الصمت وظل يمسك رأسه دون أن يستطيع أحد فك لغز الجريمة التي هزت كيان القوات المساعدة، التي نادرا ما ترتبط بعمليات مماثلة، لكن أقرب الروايات إلى الحقيقة هي التي رواها شقيق الضحية لصحفي «المساء» وهو أن «سبب قتل أخيه وكولونيل آخر للقوات المساعدة من طرف عريف، يعود إلى كون الجاني أنجز تقريرا تأديبيا ضد أحد أفراد القوات المساعدة، بعد ما أشهر في وجهه هذا الأخير سلاحا أبيض إثر دخولهما في مشادات كلامية. ولما علم الضحية بالخبر، وكان حينها بمدينة طنجة، نبه الجاني إلى تسرعه في اتخاذ القرار. وحينما عاد إلى مدينة إيفران، قرر استفساره بشأن قراره المتسرع ليفاجأ برد فعل هذا الأخير، حيث شرع في سبه وشتمه. حينها، أعلم الرائد الإقليمي بتهديدات الجاني وسبه وشتمه له. لحظات بعدها، خرج الجاني من مقر الوحدة ليقتحم، في حدود الساعة الرابعة بعد الزوال، مسلحا ببندقية صيد، مكتب الكوماندان ويطلق عليه عيارات نارية أردته قتيلا في الحال، ثم صعد إلى الطابق العلوي حيث يوجد مكتب الكولونيل ليطلق عليه النار كذلك ويصيبه إصابات خطيرة، لقي على إثرها حتفه في المستشفى العسكري بمكناس..
تم إلقاء القبض على القاتل بعد فراره بعد الحادث، وذلك عند مخرج إفران باتجاه راس الما، بعد أن استعانت السلطات الأمنية بمروحيتين.

 موت خلف القضبان
لازال عمداء وضباط ومفتشو الشرطة ممن تمت محاكمتهم في قضية «العميد الممتاز ثابت» سنة 1993، ينتظرون جبر الضرر ورد ما تبقى من اعتبار، بينما نال العميد الإقليمي أحمد أوعشي والمرحوم العميد الإقليمي عبد السلام البقالي تعويضهما عن الضرر الناتج عن محاكمتهما وسجنهما في المحاكمة ذاتها دون أن يطال هذا الإجراء باقي الضحايا.
في معتقله الانفرادي بسجن القنيطرة، تحول العميد البقالي ذات صباح إلى جثة هامدة، راكم الرجل طيلة فترة الاعتقال هواجس القلق وعجز عن تصديق ما حصل له في ملف غريب، أعدم فيه الفاعل رميا بالرصاص من طرف نيران صديقة، وأعدم فيه آخرون برصاص الجحود والتنكر، دون أن تنصت لهم هيئة الإنصاف والمصالحة على غرار ضحايا سنوات الرصاص، مات البقالي في زنزانته موتا ووصفه أصدقاؤه بـ«الإعدام الممنهج دون رمي بالرصاص»، أما مصطفى بنمغنية، الضابط الذي اعتقل على خلفية قضية ثابت، فلا زال يتأبط ملفه بحثا عن الإنصاف بعد أن مات نفسيا حين جرده الحكم من إنسانيته وحكم عليه بالتفكك العائلي المؤبد.

أشهر الطرائف المرتبطة بـــــــــــــحمل السلاح
 
شر البلية ما يضحك

احتجزت سرية الدرك الملكي بطيت مليل ضواحي الدار البيضاء، عضوا في المكتب الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة، لمدة خمس ساعات، بعد أن استوقفته دورية عند مدخل المدينة، وعثرت على مسدس بلاستيكي، قال العضو إنه في ملكية ابنته، وخضع الموقوف لعمليات تفتيش دقيقة وتحقيق معمق قبل أن يخلى سبيله، فقرر التوجه مباشرة إلى المحكمة الابتدائية في الدار البيضاء، حيث وضع شكاية ضد عنصر  من الدرك الدرك، الذي اتهمه بالوقوف وراء «محنته»، خاصة وأن الدركي أصر على إخضاع المسدس للخبرة، ولم يفرج عن القيادي إلا بعد حضور قائد السرية، الذي تفحص المسدس وأكد انتماءه لفصائل اللعب، خاصة وأنه مصنوع في التايوان.
رصاص في حلقة كوميديا
لا أحد كان يعتقد أن أمسية الضحك والسخرية في دار الثقافة بتطوان، ستتحول إلى غارة بالرصاص الحي، نتجت عنها إصابة العشرات جراء استعمال القوات الأمنية للرصاص في فض النزاعات بين مشاركين في إقصائيات البرنامج التلفزي كوميديا شو، وهي التصفيات المؤهلة لمهرجان مسرح الشباب، ونقل مجموعة من الشباب إلى المستشفى الإقليمي لتطوان وهم في حالة إغماء، ومن بين المصابين مدير دار الشباب عبد الخالق الطريس، الذي لم يفلح في تجنب حد السكاكين أثناء محاولته فض الاشتباكات الشبابية.

مزاح ينتهي بفاجعة
نقل رجل أمن وزوجته، إلى مستشفى الحسن الثاني بأكادير لتلقي العلاجات الضرورية، إثر تعرضهما لطلقات نارية، أصيب جراءها رجل الأمن في اليد، فيما أصيبت الزوجة في ساقها، مما استدعى إجراء عملية جراحية لإخراج الرصاصة. وحسب إفادة الاثنين في محضر أقوالهما، فإن رجل الأمن المذكور، الذي يحمل رتبة حارس أمن ويعمل بمطار المسيرة بأكادير، كان بصدد تنظيف سلاحه، بمنزل الأسرة بآيت ملول، عندما انطلقت رصاصة أولى على سبيل الخطأ دون أن تصيب أي أحد، واعتقادا منه بأن المسدس أصبح فارغا، ووسط حالة من السخرية، استمر في عملية التنظيف، مما أدى إلى انطلاق رصاصة ثانية أصابته في يده قبل أن تستقر في ساق الزوجة التي كانت تجلس بجانبه.

اقتتال بسبب  هاتف فتاة
من أغرب حالات اقتتال الزملاء في مهنة حمل السلاح، هو ما حصل في شهر أبريل من السنة الماضية، عندما لقي جندي بنواحي طاطا مصرعه بعد أن أطلق عليه زميله الرصاص الحي عن طريق الخطأ، وحسب التحقيق الأولي مع الجاني فإن جنديين بأحد المراكز الحدودية بوادي درعة القريب من منطقة أقا كانا على خلاف تطور إلى مشادات بينهما، بسبب رقم هاتف فتاة حاول كل منهما الانفراد به، قبل أن يتدخل جندي آخر ليصلح بينهما، فوقع ضحية إطلاق رصاص من بندقية أحد الجنديين المتعاركين، وعلى الفور نقل الجنديان وجثة الجندي الضحية إلى الثكنة العسكرية المتواجدة بمدينة أقا، قبل إحالتها على المحكمة العسكرية بالرباط، بينما تم إطلاق سراح الفتاة صاحبة الهاتف المثير للفتنة بعد أن تبين للمحققين أنها غير مسؤولة عن إطلاق النار، وأنها لم تكن تعتقد أن رقم هاتفها مؤثر إلى هذه الدرجة.
مسدس في المرحاض
استغل شرطي بالدار البيضاء سفر زوجته، فاستدعى زملاء له في المهنة لليلة سمر، هيأ لها كل ظروف السهرة الماجنة، من خمر ونسوة ومأكل، ولكنه كان يعرف بأن الأمسية قد تعبث بعقله وبعقول ندمائه، فقرر قبل وصول ضيوفه، إخفاء مسدسه في مكان آمن كي لا تمتد إليه يد آثمة، لف المسدس في قطعة بلاستيكية ووضعه في مكان في دورة المياه، بماسورة داخلية تفضي إلى كرسي الحمام، وحين انفض الجمع، نسي مكان إخفاء المسدس وظل لمدة أربعة أيام يشتغل بدونه، مكتفيا بحزام عليه حافظة مسدس فارغة، ازداد قلقه، قبل أن يكشف لرؤسائه عن اختفاء السلاح الناري، فتم توقيفه على الفور في انتظار البحث عن المسدس والرصاص. بعد أشهر من العوز، غادر الشرطي الموقوف السكن عاجزا عن أداء رسوم الكراء، وحين كان صاحب البيت يحدث إصلاحات في المرحاض، اكتشف المسدس فاتصل بالشرطي وسلمه له، ليكون سببا في عودته إلى العمل من جديد، بعد توقف اضطراري في محطة الفقر والخصاص.
 
شعر في ليلة النطق بالحكم
 
أحدث الشرطي المدان بحكم الإعدام ليلة 10 دجنبر الماضي، حالة من الضوضاء والصخب في أرجاء محكمة الاستئناف بمكناس، مما دفع برئيس الجلسة إلى طرده من الجلسة للحفاظ على السير العادي للمحاكمة، وهو الأمر الذي وافق عليه محامي المتهم، وبعد إحضار المتهم لتناول الكلمة الأخيرة، نطق شعرا أمام استغراب الجميع، حين أنشد:
احكموا ما شاءت الأقدار
احكموا أنتم الواحد القهار
علما أن الأمر يتعلق بتأويل للبيت الشعري الأندلسي الذي قيل في مدح المعز والذي يقول مطلعه:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار
 فاحكم فأنت الواحد القهار
 

ليست هناك تعليقات: