المبادرة الوطنية للتنمية البشرية

الجمعة، 24 مايو 2013

حقائق صادمة عن أطفال يحملون اسم «X بن X»

يولدون بالآلاف سنويا وعددهم قارب المليون طفل في أقل من عقد
عزيز الحور / المساء 
«سين بن سين» أو «إكس بن إكس»، هو الاسم الذي يحمله رضيع يُعثـَر عليه  مرميا قرب حاوية قمامة أو على رصيف محطة طرقية دون أن يعرف له والدان.. الأرقام حول هؤلاء الأطفال المجهولين صادمة للغاية: يولد في المغرب سنويا ما يقارب 08 ألف طفل غير شرعي، مجهولة هويتهم أو متخلى عنهم. وصل مجموع هؤلاء الأطفال الذين يتم العثور عليهم، في العقد الأخير فقط، إلى ما يقارب مليون طفل، «يُلفظ» بعضهم أجنـّة، والبعض الآخر يرون النور للحظات، قبل أن يقضوا مختنقين داخل أكياس بلاستيكية مرمية وسط الأزبال.. آخرون يدفنون في مقابر جماعية.. وكـُثر هم الذين يُكتب لهم أن ينشؤوا بين أحضان الشوارع وكنف الأزقة. التحقيق التالي يرصد، بالأرقام الدقيقة والصادمة، عدد المغاربة مجهولي النسب والهوية ويكشف تفاصيل أطفال تلفظهم أرحام أمهات عازبات ويستقرون بمقابر «غرباء»..

الرقم صادم عندما تطلع عليه للوهلة الأولى: 500 ألف رضيع وُلدوا متخلى عنهم في ظرف ست سنوات فقط، ما بين 2003 و2009. نصف مليون مغربي ولدوا، خلال هذه المدة، دون أن يُعرَف لهم أب أو أم، يُعثر عليهم مرميين في شوارع المغرب كله. 27 ألفا و199 طفلا عُثر عليهم في الدار البيضاء فقط في هذه السنوات القليلة.
ارتفع هذا الرقم الآن، حتما، على اعتبار أن التقرير الذي رصد الظاهرة كشف أن إجمالي الأطفال الرضع المتخلى عنهم في ست جهات فقط قفز إلى 80 ألفا في سنة 2009، ما يعني أن هذا إجمالي الأطفال المتخلى عنهم فاق حتى الآن مليون طفل، علما أنه لم تحتسب جهات أخرى.
حقيقة الموضوع يكشفها تقرير خاص أعدتها جمعية «إنصاف»، ووافت «المساء» بنسخة منه.

أبناء أمهات عازبات
يميط التقرير الضخم، الذي أعدّته جمعية «إنصاف» سنة 2010 اللثام عن حقائق مثيرة حول الأطفال المتخلى عنهم في المغرب. يكشف أول معطى رقمي يرِد في التقرير تطور أرقام الرضع الذين يتم العثور عليهم في جهات وادي الذهب -لكويرة وسوس -ماسة -درعة ومكناس -تافيلالت والشاوية -ورديغة والغرب -الشراردة ووطنجة -تطوان.. الأرقام القادمة من هذه الجهات الست فقط صادمة للغاية، ففي الوقت الذي كان مجموع الأطفال المعثور عليهم في هذه الجهات يتراوح بين 61 و 62 ألفا خلال سنتي 2003 و2004، قفز هذا العدد إلى أكثر من 80 ألفا في آخر سنة تم فيها إجراء الإحصاء، أي سنة 2009. لائحة «الأطفال إكس» الذين يُعثر عليهم في تزايد سنوي، والمعدل الآن هو 80 ألفا كل سنة.
أكثر الجهات التي يتم فيها العثور على أطفال مجهولين هي سوس -ماسة -درعة، التي وصل فيها عدد الأطفال الذين عـُثـِر عليهم سنة 2009 إلى 23 ألفا و400 طفل، متبوعة بجهة الغرب -الشراردة، بإجمال عدد أطفال مجهولين وصل إلى 18 ألفا و469 طفلا.
هؤلاء الأطفال الذين يتم العثور عليهم كل سنة ناتجون عن علاقات جنسية عديدة ولا يمكن تحديدها. قد تتأتى من حمل غير مرغوب فيه، ناتج عن علاقة زوجية، حيث يعمد الوالدان إلى التخلص من طفلهما فور ولادته، أو ينتج عن حالات اغتصاب، تتعرض لها بشكل خاص فتيات متشردات، كما ينتج عن حمل ناتج عن زنا محارم، كما هو منتشر في مدن مختلفة في الريف.. البحث صعب ويرتبط بتقدم التحقيقات الأمنية التي كلما تاهت، تاه مصير الأطفال المجهولين هؤلاء.
وتبقى الحالات التي تضبطها جمعيات نسوية، على غرار جمعية «إنصاف»، متعلقة بولادات لما يعرف بـ»أمهات عازبات» تتبع جمعيات مختصة حالاتهم وتضبطها، ما يتيح الحصول على معطيات محددة.
هذه المعطيات المحددة الخاصة بولادات غير شرعية لأمهات عازبات هي ما أدلت به جمعية «إنصاف» في تقريرها، والذي يقدم، في جزء منه، معطيات مفصلة حول تقرير عدد الأطفال الأحياء الذي تلدهم أمهات عازبات، وفق مدن وجهات مختلفة.
جهة تانسيفت -الحوز هي أكثر مناطق المغرب التي تشهد ولادة أطفال غير شرعيين من أمهات عازبات، تتكلف جمعيات نسوية بإحصائهم، إذ تشير التقديرات إلى أن عدد الأطفال غير الشرعيين المزدادين سنة 2009 يصل إلى 3066 طفلا، متبوعة بمدن جهة سوس -ماسة -درعة، بـ3062، ثم الدار البيضاء الكبرى، بـ2798 طفلا. وأقل الجهات التي تشهد ولادة أطفال غير شرعيين أحياء سنويا هي وادي الذهب -لكويرة، التي قـُدِّر عدد الأطفال الذين أنجبتهم أمهات عازبات فيها، نتيجة علاقة غير شرعية، بـ142 طفلا في 2009.
وصل مجموع الأطفال المولودين نتيجة حمل غير شرعي، والذين تتكفل بهم وبأمهاتهم جمعيات خاصة سنة 2009 إلى 27 ألفا و199 شخصا. ويرتفع العدد إذا تم احتساب حالات الأطفال الذين يتم العثور عليهم سنويا.
استند التقرير سالف الذكر على جملة من المعطيات متوفرة لدى مراكز استشفائية تحدث فيها ولادات غير شرعية. تشير هذه المعطيات إلى أن معدل الولادات غير الشرعية التي تُسجـَّل في المستشفيات تتجاوز، بقليل، 5 آلاف ولادة من بين آلاف الولادات السنوية لأطفال غير شرعيين، بمعنى أن غالبية عمليات ولادة أطفال مجهولي الهوية أو ناتجين عن حمل غير مرغوب فيه تتم خارج المستشفيات..
وحسب التقرير ذاته، تقيم نسبة كبيرة كبيرة من الأمهات العازبات اللاتي يلدن أطفالا غير شرعيين يوميا، وبينهم خادمات قاصرات، علاقات جنسية مع أرباب عملهم، كما تتعرض فتيات للاغتصاب أو يقمن علاقات جنسية بمحض إرادتهن.
في الدار البيضاء، التي تعرف، سنويا، تسجيل نسب كبيرة لولادة أطفال غير شرعيين، يكشف التقرير معطيات رقمية بخصوص سنة 2009. وتشير هذه المعطيات إلى أن أزيد من 41 في المائة من الولادات غير الشرعية فيها تكون لأمهات يكـُنّ قد وُعِدن بالزواج من طرف آباء أبنائهم، قبل أن يتخلى هؤلاء عن وعدهم.
تترتب 15.7 في المائة من الولادات عن عيش فتيات مع رجال دون رابط زواج (كونكبيناج)، أما 11.8 في المائة من الولادات غير الشرعية في الدار البيضاء فتنتج عن ممارسة أمهات عازبات الدعارة، أما اللواتي يلدن نتيجة اغتصاب فيقدرن بنسبة 9 في المائة، بينما تصل نسبة اللاتي ينجبن إثر علاقة غرامية إلى 8 في المائة.
إذا تمت مقارنة هذه الأرقام التي تم تسجيلها في سنة 2009 بأرقام تخص سنة 2002، يلاحظ ارتفاع كبير في عدد الأطفال الذين ينجبون سنويا نتيجة العلاقات الجنسية سالفة الذكر. كلما تفصلت الأرقام الواردة في التقرير كلما ازداد الواقع بشاعة، إذ تكشف الدراسة أن من بين هؤلاء الأمهات العازبات من أجنبن أزيد من طفل وحمل أكثر من مرة واحدة. فالأرقام الخاصة بسنة 2009 فقط تشير إلى أن 11 في المائة (أي 2992 امرأة) من النساء اللواتي أنجبن بطريقة غير شرعية ولدن أزيد من أربعة أطفال بهذه الطريقة، أما اللائي ولدن ثلاثة أطفال فيقدرن بـ10 في المائة، بينما يصل عدد اللواتي أنجبن مرتين بـ14 في المائة، فيما تقدر نسبة الأمهات اللاتي أنجبن مرة واحدةبـ 65 في المائة.
تكون هؤلاء النساء اللاتي يلدن مرات عديدة أطفالا مجهولي النسب والأب أحيانا نتيجة علاقة غير شرعية، في الغالب، عاملات جنس أو متشردات وُلدن، أيضا، بطريقة غير شرعية ويتم استغلالهن جنسيا.
من بين الأطفال المتخلى عنهم من يتم ضبط والديه، أو أمه على الأقل، وإحالتهما على القضاء، ولكن أغلب الآباء يظلون مجهولين، ما يعني أن الأبناء، وإن ظلوا أحياء، لا يعرف لهم أهل ولا أقارب.
ملاحقة ملفات طريق البحث عن الأطفال المتخلى عنهم كمثل السير وراء السراب.. ليست هناك معطيات رسمية مضبوطة لدى المؤسسات العمومية، بما في ذلك وزارة الداخلية والعدل، هذا ما اكتشفته جمعية «إنصاف» وأوردته في تقريرها، الذي أكدت فيه أن «البحث في هذا المجال شاق، لغياب المعلومة»..
 بين ردهات المحاكم

تتعلق المعلومات القليلة المتوفرة لدى المحاكم القضائية بعدد من قضايا إثبات الزوجية أو الأبوة أو أحكام الفساد.
في هذا الجانب، سُجل في السنوات الأخيرة، وفق التقرير سالف الذكر، تطور ملحوظ في عدد الملفات القضائية المتعلقة بإثبات النسب. تضاعفت الملفات الخاصة بإثبات العلاقة الزوجية بين شريكين في ظرف أربع سنوات فقط وانتقلت من 6918 ملفا في سنة 2004 إلى 13390 ملفا سنة 2007. وزادت الأرقام في الارتفاع بعد ذلك.
في الدار البيضاء لوحدها -يوضح التقرير- انتقلت طلبات إثبات الأبوة التي أحيلت على محاكم المدينة من 180 طلبا سنة 2005 إلى 300 طلب في سنة 2009. تكون الزيادة بـ80 ملفا سنويا تقريبا، أي أن ملفات إثبات الأبوة التي يمكن أن تكون قد نظرت فيها محاكم الدار البيضاء لوحدها، هذه السنة، فاقت 400 ملف. ورغم ضخامة هذا الرقم، فإنه يبقى ضئيلا مقارنة بعدد الأطفال غير الشرعيين الذين يولدون سنويا (أكثر من 27 ألفا في الدار البيضاء فقط)، وهذا ما يعني أن عددا كبيرا من النساء اللاتي يلدن بطريقة غير شرعية لا يلجأن إلى القضاء لإثبات نسب أبنائهن.
ارتفاع عدد الأطفال المتخلى عنهم يفسره، أيضا، تطور الملفات القضائية المعروضة أمام المحاكم والمتعلقة بتـُهم الفساد والدعارة والاغتصاب وغيرها.. إذ يشير التقرير إلى أن محاكم الدار البيضاء وحدها نظرت في سنة 2009 في ملف 1630 امرأة و1459 رجلا توبعوا وأدينوا بتهمة الفساد. 32 في المائة من النساء المدانات، حسب التقرير، هن أمهات عازبات، أي ولدن نتيجة علاقة غير شرعية.
ينطبق الأمر ذاتها على الملفات الرائجة في محاكم البيضاء والمتعلقة بممارسة البغاء أو الدعارة، والذي أدينت من أجله، في سنة 2009، حوالي 947 امرأة، إضافة إلى أحكام صادرة إثر تـُهم هتك عرض بدون عنف، والذي أدين من أجله 35 رجلا في الدار البيضاء سنة 2009، بينما وصلت القضايا المتعلقة باغتصاب قاصرات في سنة 2007، إلى 150 حالة.
أشار التقرير، أيضا، إلى أن المساطر القضائية التي تخضع لها الأمهات العازبات للاعتراف بأبنائهن تطرح أكثر من علامة استفهام، إذ تؤكد شهادات أمهات عازبات أنهن كنا يُجبَرن على المثول للتحقيق أو يتم تقديمهن وإجبارهن على حضور جلسات المحاكمة رغم أنهن كن في مرحلة النفاس.. كما يُجبَرن على أن يحمل أبناؤهن غير الشرعيين اسما مصدَّرا بـ»عبد»، وهو ما يعتبرنه إقصاء لأطفالهن وتمييزا لهم. ويزداد الوضع تعقيدا بالنسبة إلى النساء اللواتي اخترن أن يُقمن علاقات مع رجال في إطار ما يعرف بـ»المعاشرة» (كونكبيناج)، إذ يؤكد التقرير أن عددا من هؤلاء النساء أنجبن أطفالا عن طريق هذه العلاقة غير المحددة قانونيا، لكن الأطفال يبقون غير شرعيين ومجهولين ولا يمكنهم حمل اسم الأب.
يضطر الأطفال غير الشرعيين الذين تـُكتب لهم الحياة ولا يتم التخلي عنهم إلى أن ينشؤوا في أحضان أمهات عازبات، بينما يبقى الآباء مجهولين.. وهذا يحدث اضطرابا لدى هؤلاء الأطفال.
يبدأ الاضطراب ، حسب التقرير، من كون هؤلاء الأمهات العازبات ينفصلن عن عالمهن العائلي وتنقطع صلتهن بأسرهن بسبب نظرة الأسرة إليهن، لهذا يشب أطفال غير شرعيين بعيدا عن أسرهم ومعزولين عن المحيط العائلي.
الأكثر تعقيدا هو أن هؤلاء الأطفال قد يضطرون إلى العيش مع آبائهم دون أن يحملوا أسماءهم، نظرا إلى أن العلاقة الجنسية بين الوالدين تكون غير شرعية، إذ صرحت 90 في المائة من الأمهات العازبات بأنهن استمررن في إقامة علاقة جنسية مع الرجل الذي أنجبن منه أبناءهن دون أن ينتهي ذلك بزواج.
في أحيان كثيرة، تكون النساء وحدهن من يتكلفن بأمور ولادة الطفل غير الشرعي وتربيته، إذ كشف التقرير أن 73 في المائة من الرجال من يكونوا على علم بحمل شريكاتهم، بينما يكون 63 في المائة منهم على علم بولادته، و48 في المائة منهم يرفضون الاعتراف بالابن.
وأوضحت الدراسة أن استمرار نساء في إقامة علاقة جنسية مع رجال حملن منهم هو الرغبة في الزواج بهم، وهو ما يشكل أملا بالنسبة إليهن في أن يحافظن على الجنين إلى حين الزواج بشركائهن، بينما لم تقم سوى 20 في المائة من الأمهات العازبات بمحاولات لإجهاض أبنائهن غير الشرعيين، فيما تـُضطر أخريات إلى التخلي عنه بعد ولادته، إذا لم يتمكـَّنَّ من الزواج ب
شركائهن.
يساعد في التخلي عن الطفل كون عدد كبير من الولادات لا تتم داخل المستشفيات، حيث يصعب، بعد الوضع، التخلي عن الرضيع، فـ30 في المائة من النساء اللواتي يحملن بعد علاقة غير شرعية يلدن خارج المستشفيات، ما يعني أنه لا يعلم أحد بكونهن قد ولدن، وبالتالي يسهل عليهن أمر التخلص من
الوليد.
أحيانا كثيرة، تضطر نساء إلى الاتجار بأبنائهن غير الشرعيين، من خلال بيعهم لشبكات تقوم ببيع الأطفال الرضع لأسر لم تحظ بفرص الإنجاب.. على غرار الفضيحة التي تفجـّرت قبل سنتين في الدار البيضاء، والتي ضبطت فيها سيدة، رفقة رجال سلطة، متهمين بالاتجار في الأطفال. رغم ذلك، فهؤلاء ينشؤون وسط أسر ويحملون أسماء ويكونون أكثر حظا من أطفال غير شرعيين كثر «يُلفـَظون» إلى الشارع أو يكتب عليهم قضاء أيام حياتهم الأولى داخل حاوية قمامة أو قبر مجهول في طرف قصي غير
معروف...
 
أطفال غير شرعيين ناتجون عن انتشار زنا المحارم في مدن الريف ضم التقرير الذي قدمته جمعية «إنصاف» أرقاما صادمة حول الأطفال مجهولي الهوية أو المتخلى عنهم على صعيد التراب الوطني. أرقام أخرى رصدتها جمعيات عديدة مهتمة بهذا الموضوع، وتطرقت لمناطق عدة في المغرب، باستثناء منطقة تشهد، على الدوام، ولادة أبناء من علاقة ليس فقط غير شرعية بل «فاضحة».. هذه المنطقة هي الريف ومدنه، والذي يشهد انتشار ما يعرف بزنا المحارم وعلاقات جنسية تسفر عن ولادة أطفال غير شرعيين كثر، لم تشملهم قـَطّ دراسة أو تقارير.
حسب شهادات فاعلين جمعويين وأمنيين في مدن ريفية عديدة، خاصة في الناظور وما جاورها من قرى، فإن هذه المنطقة هي أكثر مناطق المغرب التي تشهد، بين الفينة والأخرى، وقوع جرائم زنا محارم، والسبب -يوضحه أحد الأمنيين من المنطقة- بقوله: «الموضوع هنا، رغم فظاعته، منتشر ولافت للانتباه، وسببه أن العديد من الأزواج هنا يضطرون إلى العمل في الخارج لمدد طويلة، وبالتالي تبقى زوجاتهن، كما تفرض ذلك عادات المنطقة، أن يمكثن في بيت الزوج وعند أهله.. هنا، تحدث جرائم زنا محارم بين والد الزوج مع زوجة الابن، ما يؤدي إلى حملها سفاحا والتخلص من الطفل فور ولادته، ودون إثارة انتباه»، يوضح المصدر ذاته.
ويساهم الطبع المحافظ للمنطقة في «طمر» جرائم زنا المحارم هاته في قبر النسيان، ولا تطفو إلى السطح إلا بعض الحوادث اللافتة للانتباه، تتفجر بين الفينة والأخرى.  يحدث الأمر ذاته في قرى ومداشر في عمق جبال الأطلس وأرياف مراكش وأحواز تارودانت، إذ تجد نسوة أنفسهن وحيدات، بعيدا عن أزوجهن، الذين يضطرون إلى العمل في مدن أخرى والغياب لشهور طويلة، بينما تظل الزوجات شبهَ «مُحتجَـزات» عند أهل الزوج، فيما تتحمل بعضهن ممارسات جنسية تدخل في نطاق زنا المحارم وتسفر عن حمل وولادة أطفال «يُرمى» بهم في الشوارع.
 
 
 
 
يحملون اسم «سين بن سين» ويدفنون جماعيا وعددهم في مقبرة الرحمة وصل إلى 22 ألفا..دفن 100 جثة طفل «إكس بن إكس» شهريا  في مقابر «الغرباء» في الدار  البيضاء يتطلب اقتفاء أثر الأطفال غير الشرعيين الذين يتم التخلي عنهم في الدار البيضاء مواصلة رحلة هؤلاء الأطفال الرضع، على قصرها، إلى مقبرة تبتلع أجسادهم الصغيرة بأعداد كبيرة شهريا.
زرنا مقبرة الرحمة. تضم هذه المقبرة، التي يسيرها مجلس مشكل من أعضاء في مجلس مدينة البيضاء، والبالغة مساحتها حوالي 95 هكتارا، مقابر جماعية خاصة بمن يسمون «الغرباء»، أي الموتى مجهولي الهوية، وبينهم أطفال صغار ورضع يتم التخلي عنهم.
كانت مقبرة الرحمة، الموجودة في طرف الدار البيضاء الجنوبي القصي، خاوية موحشة في عشية الأحد الماضي. منظر القبور يثير فزعا وسط ذلك الصمت المسائي الرهيب. إلى جانب بقع مخصصة لقبور مبنية، تشير لوحة معلقة في جانب الطريق الذي يخترق المقبرة إلى بقعة كـُتب عليها «بقعة 3.. الغرباء الأطفال». تشير اللافتة الحديدية إلى خلاء نعلـُو أرضَه نتوءات مغطاة بأحراش..
التقت «المساء» أعضاء في مجلس تدبير مقبرة الرحمة، بينهم عبد القادر بودراع وعادل فؤاد وموظفون يشرفون على تنظيم أمور المقبرة، التي تعد من أكبر المقابر في المغرب. الأرقام المتعلقة بالأطفال المتخلى عنهم والمدفونون هنا صادمة أيضا، فعدد من دُفـِنوا من هؤلاء الأطفال هنا، منذ سنة 1990، يصل إلى 22 ألف طفل. قبورهم الصغيرة موزعة على عدة بقع امتلأت عن آخرها في ظرف سنوات قليلة. هذه البقع موزعة في مكان مخصص لـ»الغرباء»، أي مجهولي الهوية. إلى جانبهم، قبور «الغرباء الكهول»، أي الموتى الكبار الذين تـُجهَل هوياتهم. وقد وصل عدد هؤلاء حتى الآن إلى 3 آلاف شخص.
خصصت لهؤلاء «الغرباء» مساحة ثلاثة هكتارات ونصف. كادت تمتلئ، في الوقت الذي وهبت سيدة تبرعت بالأرض الذي توجد فيها المقبرة، بمساحات أخرى لاستيعاب عدد الموتى الذين يتم دفنهم هنا يوميا: «مقبرة الرحمة هي الوحيدة في الدار البيضاء التي تستقطب الأطفال الغرباء الذين يتم التخلي عنهم ومجهولي الهوية. يتم إرسال جثث جل الأطفال المتخلى عنهم الذين تُجهل هوياتهم، والذين يتم العثور عليهم في مناطق مختلفة على صعيد الدار البيضاء الكبرى، إلى مصلحة الطب الشرعي في مقبرة الرحمة، حيث يتم إخضاعهم للتشريح الطبي، ثم يحالون علينا من أجل دفنهم»، يوضح محمد الرحموني، محافظ مقبرة الرحمة.
أعداد الجثث التي يتم دفنها في مقبرة الرحمة شهريا صادم للغاية، وهو ما يُوضّحه النائب الثاني لرئيس مجلس تسيير مقبرة الرحمة، عادل فؤاد، بالقول: «نتوصل كل شهر بما يتراوح بين 90 و100 جثة طفل مختلى عنها. أما بالنسبة إلى الغرباء الكبار فيتراوح عدد الذين يتم دفنهم شهريا ما بين 30 إلى 35 شخصا. ما يمكن ملاحظته أنه، منذ سنة 1998، عرف عدد الأطفال الرضع والأجنة مجهولي الهوية الذين يتم دفنهم في مقبرة الرحمة تراجعا طفيفا، إذ كان عدد المدفونين هنا شهريا يفوق الـ100 جثة شهريا. نقصت أعداد الأطفال الغرباء بشكل تدريجي في السنوات الثلاث الأخيرة».
الإجراءات القانونية التي تتم خلال استقبال جثث الأطفال المتخلى عنهم، المسلمين، فبعد استقبال مصلحة الطب الشرعي في مقبرة الرحمة هذه الجثث من المستشفيات، وبعد تحرير رجال الأمن أو الدرك أو السلطات المحلية، لمحاضر بعد العثور على هذه الجثث، يتم تجميع الجثث بثلاجات مصلحة الطب الشرعي، حتى تصل إلى عدد كبير، ثم يتم تكفينها والصلاة عليها وفق ما تنص عليه تعالم الدين الإسلامية، ثم يتم دفنها بشكل جماعي في مقابر جماعية في بقع «الأطفال الغرباء».
قبل عملية التكفين والدفن، تقوم إدارة مقبرة الرحمة بتسجيل الجثث المُتوصَّل بها ضمن سجلات سنوية، اطّلعت «المساء» على بعضها. ضمت هذه السجلات الكبيرة مئات الأطفال الغرباء المدفونين في الرحمة. تضم السجلات مكان العثور على جثة الطفل، إن عُلِمت، وجنسيته، كما يتم تحديد طبيعة وفاة الطفل المتخلى عنه، إن كان «ساقطا»، أي جنينا تم التخلي عنه عن طريق إجهاض أو ولادة سابقة لوقتها، وأحيانا، يتضمن السجل تحديد اسم أم الجنين بعد عبارة «ساقط من ..» إذا تعلق الأمر بأم مختلة عقليا أو ما شابه، في الوقت الذي لا يتم تحديد سن الطفل المتخلى عنه ويُكتـَب في الخانة المخصصة لذلك «بدون»..
تتضمن الإجراءات القانونية، أيضان إصدار رخصة بالدفن. اطلعت «المساء» على واحدة منها. تم التأكيد، في هذه الرخصة، المؤرخة بيوم 15 دجنبر 2011، أن الطفل توفي بتاريخ الـ8 من غشت 2011، أي أن رخصة الدفن أُعدت بعد أربعة أشهر من وفاة الطفل.. وهي المدة التي استغرقتها إجراءات البحث والتحري من طرف الأمن والسلطات المحلية، إضافة إلى مدة إيداع الجثة في مستشفى ابن رشد، مكان الوفاة، كما هو مبين في الرخصة، ثم في مصلحة الطب الشرعي في الرحمة. أما في الخانة المخصصة لاسم الطفل فقد كتبت عبارة «سين بن سين»، وهو الاسم الذي يطلق على الأطفال مجهولي الهوية: «نسمي هؤلاء الأطفال ابن إكس ونكتب «اسمَه» في رخص الدفن بعبارة «سين بن سين»، لأنه لا أحد يعرف اسمه الحقيقي واسم والديه. في حالات قليلة، يأتي أشخاص يستفسرون عن أبناء لهم إن كانوا مدفونين هنا، ولكنْ لا يمكن معرفة ذلك، لأن الأطفال الذين يتم دفنهم يكونون مجهولي الهوية»، يردف فؤاد.
تتطلب كل عملية دفن تكاليف مادية يؤديها ذوو الشخص المتوفى. في حالة الأطفال والأجنة مجهولي الهوية، لا يكون هناك من يؤدي عنهم مصاريف دفنهم. في هذه الحالة، تتحمل إدارة مقبرة الرحمة والمقاولة المكلفة ببناء المقابر فيها مصاريف الدفن: «نحدد مصاريف الدفن في مقبرة الرحمة في ثمن رمزي قدره 170 درهما للقبر، وضمن هذا المبلغ قيمة الرسوم و70 درهما تخصص للمقاولة التي تتكلف بعملية بناء القبر، في الوقت الذي يرتفع هذا الثمن الرمزي بفي مقابر أخرى، كما تقدر التكلفة الإجمالية لحفر وبناء كل قبر واستيفاء إجراءات الدفن بـ350 درهما»، يوضح عبد القادر بودراع، النائب الأول لرئيس مجلس تسيير مقبرة الرحمة، قبل أن يضيف: «إذا كان أهل الميت يتكفلون بمصاريف دفن ميتهم، فإنه لا أحد يؤدي مصاريف دفن الأموات الأطفال الغرباء، وبالتالي فإدارة المقبرة والمقاولة هي التي تتكفـّل بمصاريف الدفن، علما أن مجلس المدينة يجب أن يؤدي مستحقات عمليات الدفن هاته التي تتم في مقبرة الرحمة للإدارة».
المقاولة التي تتكلف بحفر وبناء قبور روضة الرحمة يملكها مبارك مبشور. يتكفل هذا الرجل بعمليات حفر القبر في الرحمة منذ سنة 1990. كما أنه يتكفـّل بعمليات دفن الأطفال المتخلى عنهم، دون أن يتلقى تعويضا إلى حد الآن: «أتكلف بتوفير السلع والمعدات الخاصة بالدفن وتهيئة القبور وتوفير الحفارين وأداء مصاريف عملهم عن حفر القبور، والتي لا تقل عن 100 درهم مقابل حفر قبر واحد، وهذا يشكل خسارة لي، فأنا مدين، إلى حد الساعة، لمجلس الدار البيضاء بالملايين»، يوضح مبشور لـ»المساء».
من جهته، أوضح محافظ مقبرة الرحمة أن إدارة المقبرة مدينة لمجلس مدينة الدار البيضاء بمبلغ 130 مليون سنتيم مقابل قرابة عقدين من حفر قبور الأطفال المتخلى عنهم والغرباء، بينما يجب سداد 30 مليون سنتيم للمقاول المكلف بحفر هذه القبور، وهو المبلغ الذي راسلت من أجله إدارة المقبرة مجلس المدينة، لكنْ دون أن تتلقى جوابا. 22 ألفا، إذن، هو عدد جثث الأطفال «الغرباء» المدفونين في مقبرة الرحمة، والتي تستقبل وحدها جثث هؤلاء الأطفال المتخلى عنهم، لكنْ هل تعثر على جثث كل الأطفال المتخلى عنهم ويدفنون في مقابر معروفة؟!.. فإذا كانت الأرقام التي وصل إليها تقرير جمعيات تعنى بالملف قد أكدت أنه تم تسجيل ولادة أزيد من 27 ألف طفل غير شرعيين في الدار البيضاء لوحدها ما بين 2003 و2009، فإن العديد من هؤلاء الأطفال، باستثناء الذين تـُكتب لهم الحياة، لا يتم دفنهم، على اعتبار أنه يتم التخلي عنهم في أماكن بعيدة عن الأعين أو يتم دفن جثثهم دون أن يُعثر لمقابرهم على أثر أو يُعثر على خيط يقود إلى أن جريمة وأد طفلِ سِفاح قد وقعت أصلا. .
 

ليست هناك تعليقات: