المبادرة الوطنية للتنمية البشرية

الخميس، 16 مايو 2013

ثقل الماضي ما زال حاضراً في ذكرى تفجيرات 16 ماي بالدار البيضاء


ثقل الماضي ما زال حاضراً في ذكرى تفجيرات 16 ماي بالدار البيضاء

أخبارنا المغربية ـ أ ف ب

«لا مياه ولا عمل، ولا مستقبل. لا يوجد شيء هنا على الإطلاق»، يعلّق حميد بمرارة وهو يتجول بين أزقة حي سيدي مومن الصفيحي في مدينة الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للمغرب، التي تحيي هذا الأسبوع الذكرى العاشرة لتفجيرات عنيفة هزت هذا الحي الفقير ومعه المغرب.

إنه أفق قاتم لا يعد بالكثير بالنسبة إلى سكان مدن الصفيح في المغرب وخصوصاً حي سيدي مومن الذي تبدو الأمور فيه أكثر تعقيداً باعتباره المكان الذي فرّخ الانتحاريين الذين قاموا بعدة تفجيرات ليلة 16 أيار (مايو) 2003، والتي تبددت معها صورة المغرب كبلد استقرار وتسامح.
وينظر إلى التهميش والفقر من قبل الكثيرين كسبب رئيس لتطرف 14 شاباً من هذا الحي، فجّر 12 منهم أنفسهم في مواقع مختلفة من أحياء العاصمة الاقتصادية للمغرب مخلفين 33 قتيلاً. واستهدفت التفجيرات حينها فندقاً ومطعماً إيطالياً ومركزاً للجالية اليهودية ومقبرة، والقنصلية البلجيكية. ويوضح حميد البالغ من العمر 42 سنة ومن دون عمل وأب لتوأم ويتقاسم مع ثماني عائلات منزلاً واحداً، أن «التغيير الذي نريد هو مشاريع تخلق فرص عمل للشباب هنا (…) حتى لا يسلكوا الطريق الخطأ».
وفي منطقة الرحامنة بحي سيدي مومن حيث يقيم حميد، تختلط الأزقة الضيقة مع أسلاك الغسيل والمنازل الآيلة للسقوط، والمصنوعة من الطوب وأسقف قصديرية مموجة، وغير بعيد بعض الأبقار والدجاج على أكوام من القمامة النتنة، تأكل منها.
أما بوبكر مازوز، رئيس المركز الثقافي الذي شيّد هنا في 2007، فيتحدث بحماسة عن الحاجة إلى إدماج الشباب في المجتمع، لنزع فتيل الإحباط والاستياء الذي ما زال كثير منهم يشعرون به. ويوضح مازوز انه «في كل حي لديك الجيد والسيء، وقد صادف أن حصل ما حصل في هذا الحي الذي لم يكن له أثر على الخريطة، وترك فيه الناس لأنفسهم ليتحولوا إلى فريسة سهلة المنال في يد المتطرفين». ويضيف: «علينا أن نفعل شيئاً حيال ذلك».
وبعد تفجيرات الدار البيضاء عام 2003، أقدم شاب آخر ينحدر من سيدي مومن عام 2007 على تفجير مقهى للإنترنت، كما شهدت قبل عامين مدينة مراكش، العاصمة السياحية للمغرب، تفجير مقهى «أركانة» المزدحم، والذي أسفر عن مقتل 17 شخصاً. لكن هجمات 2003 كان الأسوأ حتى الآن إذ سببت صدمات نفسية للمغاربة الذين لم ينسوها حتى الآن، وخلفت استياء وأسى كبيرين في بلد يعتمد على السياحة التي تعد من أهم مداخيل العملة الصعبة بعد الفوسفات وعائدات المهاجرين.
هذه سياحة كان رأسمالها تلك الصورة المتسامحة لشعب المغرب وحسن ضيافته، لكنها خدشت بتفجيرات متوالية ما زالت ذكراها السيئة تهيمن على الوعي الجماعي للمغاربة.
وتناول فيلم «خيل الله» لمخرجه المغربي نبيل عيوش الذي عرض العام الماضي في مهرجان كان السينمائي بفرنسا وكذلك في المغرب حيث أثار ضجة كبيرة، قصة شقيقين يكبران في حي سيدي مومن وسط الفقر والتهميش، ليتحولا لقمة سائغة في يد المتطرفين قبل أن يتحولا إلى قنابل بشرية تشارك في هجمات الدار البيضاء.
ولمنع مزيد من الشباب من الوقوع في فخ المتطرفين، اتخذت السلطات سلسلة من المبادرات الرامية إلى تحسين ظروف العيش في حي سيدي مومن، فضلاً عن حملات أمنية واسعة شهدت اعتقال الآلاف من الأشخاص، إضافة إلى تشديد السيطرة على ما يجري في مساجد البلاد كاملة.
ويقول حسن (36 سنة) لـ «فرانس برس»، وهو ناشط في حيه وعاطل من العمل، انه «بين 2003 و2009، تم إنشاء العديد من الجمعيات لتعزيز التنمية في الحي». لكن كما يضيف: «بدا في البداية وكأن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، لكنه اتضح مع الوقت أن معظم الجمعيات كانت مجرد واجهة، ولا شيء تحقق فعلياً، لأنهم بكل بساطة أخذوا المال ولم يفعلوا شيئاً». ويضيف حسن: «قال الملك محمد السادس في 2011 إنه لا يريد أن يرى بعد اليوم أناساً يعيشون في أحياء صفيحية». ويزيد: «الآن نحن في 2013 والأحياء الفقيرة لم تختف بل تزيد في الاتساع (…) كما أن وعود إسكاننا في أماكن لائقة بقيت مجرد كلمات».
وتحيط اليوم بمنطقة الرحامنة رافعات وعمارات سكنية نصف مبنية، تظهر أن الحكومة تحاول نهج سياسة لإعادة إسكان ما يقدر بنحو 400 ألف من سكان سيدي مومن.
لكن على رغم مرور عشرة أعوام اليوم على ما حصل في الدار البيضاء، ما زال سكان سيدي مومن يكافحون للتخلص من وصمة العار التي لحت الحي وسكانه، حيث ما زال المغاربة ينظروه إلى سيدي مومن كـ «ملاذ للإرهابيين». ويعتقد محمد ضريف، الخبير في الحركات الإسلامية في المغرب، أن إلقاء اللوم على التهميش والفقر وحدهما من أجل تبرير ما أقدم عليه انتحاريو الدار البيضاء «أمر يبالغ فيه في بعض الأحيان». وأوضح لـ «فرانس برس» انه «من السهل على الخلايا الخارجية التلاعب وتجنيد الشباب الذين تعلموا وتلقنوا أشياء تدفعهم لتنفيذ هذا النوع من الهجمات»، مضيفاً أن «الأمر يبقى مجرد حالات معزولة».
وعلى رغم أن ما يحصل في المغرب يظل معزولاً، كما يقول ظريف، ولا يشبه ما يحصل في الجزائر التي توجد بها جماعات منظمة ومسلحة، لا يزال الإسلاميون المتطرفون يشكلون تهديداً حقيقياً للمغرب. فوفق السلطات، ثم تفكيك 123 خلية إرهابية منذ عام 2003، كان آخرها قبل أيام من ذكرى تفجيرات 16 أيار (مايو).
وأعلنت وزارة الداخلية المغربية خلال هذا الشهر عن تفكيك مجموعتين كانتا تنشطان في مدينة الناضور شمالاً وتستعدان لتنفيذ هجمات في المملكة.

ليست هناك تعليقات: