المبادرة الوطنية للتنمية البشرية

الخميس، 16 مايو 2013

لماذا لم "تتفاعل" السينما المغربية مع أحداث 16 ماي الدامية؟

لماذا لم "تتفاعل" السينما المغربية مع أحداث 16 ماي الدامية؟



بحلول اليوم الخميس 16 ماي تكون عشر سنوات بالتمام والكمال قد مرت على الأحداث الدموية الأليمة التي شهدتها مدينة الدار البيضاء على حين غرة، فجعلت المغاربة جميعهم يستفيقون من "وهم" البلد الآمن البعيد عن خلايا العنف والإرهاب التي لا تبقي ولا تذر.

عشر سنوات حفرت ذاكرة المغاربة بخطوط من دماء، تغيرت معها البلاد إلى حد أن البعض بدأ يتحدث عن مغرب ما قبل 16 ماي 2003 ، ومغرب ما بعد ذلك التاريخ، باعتبار أنه حدث جلل غيَّر الكثير من ملامح البلاد خاصة على الصعيد الأمني والهوياتي، بسبب تعدد الخلايا "الميتة" والنشطة التي لا تنفك أن يُقبَض على أعضاء بعضها حتى تظهر أخرى بأشكال مختلفة وإيديولوجيات جديدة.
هذا الحدث رغم أهميته وضخامته، وما تسبب فيه بعد ذلك من اعتقال المئات من الأشخاص ذوي المرجعية السلفية وما أفضى ذلك إلى حدوث مشاكل اجتماعية ونفسية عديدة لأسر هؤلاء المعتقلين، فإنه لم تتم مواكبته من طرف السينما المغربية حيث إن قلة قليلة من الأفلام الطويلة والقصيرة هي التي "تجرأت" على تناول أحداث 16 ماي الإرهابية.
ولعل فيلم نبيل عيوش "يا خيل الله" هو الشريط السينمائي الطويل الوحيد الذي تطرق إلى أحداث 16 ماي منذ بداية الفيلم إلى آخره، بل جعل تلك الأحداث تيمته الرئيسية ومن أبناء حي سيدي مومن الذي خرج منه انتحاريو البيضاء أبطالا لهذا الفيلم، فضلا عن أشرطة قصيرة تحسب على أصابع اليد تناولت تلك الأحداث الأليمة من زاويتها الخاصة، من قبيل فيلم "قلب مكسور" لصاحبه محمد بنعزيز، و"30 ثانية" للغالية القيسي.
السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح، في هذا السياق، هو لماذا لم تواكب السينما المغربية تناول تلك الأحداث الدامية، رغم مرور عشر سنوات كاملة، وجعلها مادة فنية يخصُّها المخرجون برؤاهم الإبداعية المتنوعة، ويعالجون من خلالها أسباب التطرف الديني الذي يجعل شبابا في عمر الزهور يلقون بأنفسهم في أتون السعير، فقط لأنهم حلموا بجنة وضعوا مقاييسها حسب أفكارهم، فسارعوا إلى الوصول إليها على حساب أشلاء ودماء الضحايا.
بوغابة: أحداث غامضة يصعب ترجمتها إلى أفلام
وللجواب عن هذا السؤال المحوري اتصلت جريدة هسبريس الإلكترونية بالناقد السينمائي أحمد بوغابة الذي قال في البداية إنه "ليس بالضرورة كلما كان هناك حدث ما نريد أن يتم معالجته سينمائيا مباشرة، ولا نترك الوقت يفعل فعله خاصة في مثل المواضيع الحساسة جدا، والتي تتطلب تفكيرا عميقا ومعطيات سليمة لمعالجتها، لأنها أحداث لها دلالات ومرجعيات عند الناس مما يزيد في تعقيدها، لأنهم سيتعاملون معها انطلاقا مما يتوفرون عليه، فيقيسون به النتائج".
وتابع بوغابة بأن أحداث 16 ماي 2003 مازال يلفها الغموض لحد الآن، ولم نعرف في الحقيقة ما جرى سواء من الجهات الرسمية، إلا بما أرادته أن تقوله لنا من وجهة نظرها، أو من طرف الإعلام بكل منابره، والذي ساير ما هو رسمي وردده بنفس الصيغ دون تساؤل أو بحث فيها.
وأردف الناقد بأنه يصعب في هذه الحالة إنجاز أعمال فنية حول هذه الأحداث خاصة إذا أرادت طرح الأسئلة العميقة والمسكوت عنها لأنه غير مسموح بها، وإلا اعتبر من تجرأ على ذلك يساند الإرهاب أو بظروف التخفيف يسايره أو يبرره" بحسب تعبير الناقد.
وتساءل بوغابة بالقول "لماذا نسائل دائما الفن السابع ونحمله المسؤولية القصوى، فيما نتغاضى على الفنون الأخرى التي لا تكون بدورها في الموعد مع الأحداث الكبرى، علما أن باقي الفنون هي أقل تكلفة مالية وأحيانا بفارق كبير جدا بالمقارنة مع السينما التي تتطلب ميزانية كبيرة، حيث لم نشاهد أعمالا تشكيلية أو موسيقية وغنائية أو مسرحية، ولا حتى أدبية، في موضوع أحداث 16 مايو 2003.
واسترسل بوغابة بأنه ربما تأتي أفلام عن هذه الأحداث مستقبلا حين يرى المخرجون، وقبلهم كتاب السيناريو، أن أفكارا قد تبلورت سينمائيا، وستأتي بالجديد دون إغفال الجانب الفني فيها، وإلا من الأفضل ترك التاريخ لأصحابه المتخصصين، لأننا نرغب في أفلام يحضر فيها الفن السينمائي بالدرجة الأولى وليس مجرد عرض للمعلومات" وفق تعبير بوغابة.
ولفت المتحدث إلى أن ما أثاره في أحداث 16 مايو، دون أن يكون لديه جواب أو أحصل عليه، هو أن تلك الأحداث حصلت بالضبط يوم الاحتفال بذكرى تأسيس "الأمن الوطني" بعد الاستقلال، والذي يصادف نفس اليوم"، متسائلا بالقول "هل كانت مجرد صدفة؟ أم مُفكرٌ فيها مسبقا؟ وهل كانت رسالة موجهة للأمن المغربي أم حالة اعتباطية؟..
أفلام عن أحداث البيضاء
وبخصوص الأفلام التي تطرقت أو تناولت تيمة أحداث 16 مايو 2003، أجاب بوغابة بأن فيلم "يا خيل الله" لنبيل عيوش يُعتبر الفيلم الوحيد الذي دار كله حول أحداث 16 مايو اعتمادا على رواية لماحي بينبين، حيث أبدع المخرج سينمائيا وقام بقراءة الأحداث جيدا، ليس فقط بسرد ما جرى، وإنما بتحليلها متحررا من النقل الميكانيكي للرواية أيضا.
وبالنسبة للأفلام القصيرة، يُكمل بوغابة، يمكن ذكر فيلم "ثلاثون ثانية" للمخرجة الشابة غالية القيسي الذي أخرجته سنة 2011 ، ومدته 14 دقيقة، والذي بدورها تعاملت بذكاء مع الأحداث من خلال محاسبة البطل في العالم الآخر، وعودته الافتراضية عند أمه التي وجدها منهارة بسبب فعلته، حيث تحول العجين في يديها إلى طفلها "الإرهابي" هو نفسه واحتضانها للعجين إلى صدرها بكل ما يحمل العجين ـ الخبز من دلالات التقديس.
وزاد بوغابة متابعا "هناك أفلام مغربية أخرى قامت بالإشارة إليها، يمكن ذكر أول فيلم في هذه اللائحة، وهو "الدار البيضاء نهارا" لمصطفى الدرقاوي في سنة 2004 حيث ختم فيلمه بانفجار إرهابي. وفيلم "ملائكة الشيطان" لأحمد بولان الذي أخرجه سنة 2007 حيث أشار بدوره في نهاية فيلمه بعد الإعلان عن الأحكام في حق المجموعة الغنائية "عبدة الشيطان" بتعليق يخبر بأحداث 16 مايو، وهي إشارة ذكية بين الأحكام في حق مجموعة موسيقية وانفجار الشباب لنفسه في 16 مايو.
واسترسل الناقد بأن هذن الفيلمين هما طويلان، بينما من الأفلام القصيرة التي أشارت بدورها للأحداث نفسها هناك فيلم "اليد اليسرى" لفاضل اشويكة الذي أخرجه سنة 2012 حيث تضمن الفيلم مشهد انفجار مطعم دار إسبانيا في الدار البيضاء، وهو إحالة لأحداث 16 مايو.
وهناك فيلم آخر بعنوان "سكريفاك" للمخرج طارق أوزموز، كما توجد أفلام أخرى أرادت التطرق لنفس الأحداث لكنها ساذجة في تناولها لموضوع هو كبير على أصحابها، ولا تملك المشروعية السينمائية أصلا كأفلام" يورد بوغابة في ختام حديثه لهسبريس. 

ليست هناك تعليقات: