جدلية التاريخ و الذاكرة من خلال كتاب «جوانب من ذاكرة
كريان سنطرال»
حسام هاب
صدر مؤخرا للباحث في تاريخ المغرب المعاصر الأستاذ
نجيب تقي كتاب تحت عنوان «جوانب من ذاكرة كريان سنطرال - الحي المحمدي بالدار
البيضاء في القرن العشرين»، محاولة في التوثيق، و هو دراسة مونوغرافية
تاريخية عن الحي المحمدي، صدرت باتفاق مع جمعية كازاميموار في إطار برنامج جبر
الضرر الجماعي، و ذلك بمساهمة من جمعية منتدى السعادة، و بدعم من المجلس الوطني
لحقوق الإنسان، و صندوق الإيداع و التدبير، و الاتحاد الأوربي .
فالعمل حسب الأستاذ المصطفى بوعزيز الذي تكلف بتقديم الكتاب هو نتاج إلتقاء
سيرورتين، سيرورة نضج «المدرسة التاريخية المغربية» و الأستاذ نجيب تقي أحد
أعضائها، فقد راكمت هذه المدرسة منذ ما يزيد على نصف قرن خبرة منهجية في مجال
التوثيق و التحقيق، و المونوغرافية بشكل خاص، و استوعبت في هذا الباب الرصيد
المعرفي و المنهجي للتوجهات العلمية التي نمت و ترعرعت في ظل التضلع المنهجي، و
على قاعدة الكم المحترم من الأبحاث التي أنتجت بالجامعة المغربية. فالمدرسة
التاريخية المغربية اقتحمت الحقل العالمي للبحث التاريخي، موسعة مجال دراساتها و
فضاءات مواضيعها، و زوايا معالجاتها المنهجية. و في إطار هذه السيرورة، تحولت
المونوغرافية من المنتوج شبه الوحيد للمؤرخين المغاربة، إلى صنف ضمن أصناف أخرى،
إلا أنها استفادت من تلقيح العلوم الاجتماعية و تطورت نحو الأفضل.أما السيرورة
الثانية فهي تتعلق ب«الذاكرة الجماعية» للمغاربة، فقد دخل المغرب منذ عقدين من
الزمن في سيرورة توسيع مجال التمثلات، و بالتالي السماح التدريجي لذاكرات مقصية
للتواجد إلى جانب الذاكرة الرسمية، و بالتالي فتح ورش إعادة هيكلة الذاكرة
الجماعية للمغاربة و لازال الورش في مراحله الأولى. في قلب هذه الظرفية بالضبط،
ظرفية الانتقال نحو جديد لم تتضح بعض معالمه، يصدر الأستاذ نجيب تقي مؤلفه هذا،
و يوضح: «أننا لم نرم التنظير من تناول تلك الجوانب، بل سيكتشف القارئ بسرعة و
بسهولة، أننا نهدف إلى توفير مادة أولية قابلة للاستثمار و الإغناء... تتمثل في
النصوص و الصور و المخطوطات و الجداول...».يتكون الكتاب من ثلاثة أجزاء، فالجزء
الأول يهدف إلى التوطين الجغرافي للمكان، عبر تركيب دقيق لتاريخ الحي الصناعي
بالدار البيضاء و بروز و تطور التجمعات السكانية العمالية وسطه و بجواره، و في
هذا الباب هناك استعراض لكل الوثائق المتوفرة من المرجعية الخاصة بملكية
الأراضي، للتصاميم المتعلقة بالتهيئة العامة للمدينة و للحي، و للقوانين المنظمة
للسكن و خصوصا للأحياء الصفيحية، مرورا بالأصول الاجتماعية للساكنة، و ما صاحب
نزوحها و تكتلها و معاناتها. يمتاز هذا الجزء بغزارة المعطيات، و دقة التوثيق، و
الوضوح في العرض المعزز بالتصاميم و البيانات و صور المباني. و المراد من هذا
العمل هو إعداد شروط كتابة تاريخية علمية حول التعمير كمنتوج مجتمعي و كسيرورة
تاريخية معقدة.
يركز الباحث في الجزء الثاني على العمل الوطني في كريان سنطرال، حيث يتناول
الأستاذ تقي هذا الموضوع عبر ثلاث مجزوءات: العمل الوطني من الثلاثينات إلى
بداية الخمسينات، ثم حوادث دجنبر 1952، أو «المقاومة بالحجر»، و أخيرا المقاومة
المسلحة بالحي. و يجسد ذ- تقي في هذا الجزء منهج المتضلعين القاضي بالدراسة
الدقيقة للأحداث في إطار الزمن القصير معززة بغزارة المعلومات و تحقيق مؤسس على
تعداد المراجع و المصادر، فحضرت الوثيقة المؤرشفة، و جرائد المرحلة، و الصورة، و
الرواية الشفوية. و إلى جانب هذه المعالجة التي تعتمد في بناء خلاصاتها على
السببية في الزمن القصير، يلح الأستاذ تقي على إعادة الاعتبار للفاعلين
الحقيقيين و إعطاء الكلمة للأحياء منهم كنوع من التكريم و من تثمين نكران الذات
الفردية لصالح مصلحة جماعية، و روح جماعية هي جوهر الشعب كما تصوره أولاد الحي.يخصص
الأستاذ تقي الجزء الثالث لمعتقل «درب مولاي الشريف» في محاولة للجمع بين تاريخ
المكان و وظائفه الأمنية، في إطار الصراعات التي عرفها المغرب المستقل حول بناء
الدولة الوطنية، و ذاكرة الذين غيبوا و عذبوا في هذا الفضاء المغلق. لا يختلف
هذا الجزء عن سابقيه من ناحية المنهج و تقنيات العرض فالغزارة و الدقة متوفرتان،
إلا أن هذا الجزء الأخير يثير نوعا من الاستنكار الضمني لدى الباحث محوره السؤال
التالي: لماذا زرع في تراب الحي، و هو القلب النابض للوطنية المغربية إبان مرحلة
مقاومة الاستعمار، معتقل اختزن كل أصناف التعذيب و التنكيل و المس بالكرامة
الإنسانية؟.
تطلب إنجاز هذا البحث من ذ- تقي البحث في الكثير من الخزانات و مراكز التوثيق و
الإعلام و المؤسسات العمومية و الخصوصية، كما دفعه إلى الاتصال بعدد كبير جدا من
الأشخاص في مختلف المواقع الاجتماعية و السياسية و الإدارية و الثقافية، و
القيام بالعديد من الروايات الشفوية. و بذلك جمع الأستاذ نجيب تقي في عمله القيم
بين ثنائيتين: خبرة الباحث المتضلع و المتشبع باحتياطات المؤرخ المحترف، و حماسة
ابن الحي الذي له هاجس التخوف من سطو تجار الذاكرة على التراث الجماعي للحي
المحمدي، و توظيفه لمآرب أخرى. إن الكتاب الذي قمنا بتقديمه لعموم القراء و
المختصين في تاريخ المغرب المعاصر و الراهن، هو خطوة أساسية في سبيل كتابة تاريخ
كريان سنطرال - الحي المحمدي في القرن العشرين، و «موسوعة منوغرافية تاريخية
لذاكرة مكان و نشيد لملحمة ساكنة»، جمعت بين التوثيق التاريخي الكثيف و الذاكرة
المنسابة في دفتي هذا الكتاب، و يمكن القول أن هذا العمل القيم حقق وفق شروط
البحث الحالية في تاريخ المغرب الراهن، بعض حاجات عموم القراء و المهتمين بتاريخ
الحي المحمدي، و أماط اللثام عن كثير من جوانبه الغامضة في ذاكرة هذا الحي
البيضاوي المهمش.
|
12/9/2012
|
لتحميل كتاب الأستاذ نجيب التاقي انقر هنا
http://www.google.fr/search?hl=fr&source=hp&q=%D9%86%D8%AC%D9%8A%D8%A8+%D8%AA%D9%82%D9%8A&gbv=2&oq=%D9%86%D8%AC%D9%8A%D8%A8+%D8%AA%D9%82%D9%8A&gs_l=heirloom-hp.3...2985.9282.0.9560.9.7.0.2.2.0.218.943.1j5j1.7.0...0.0...1ac.1.12.heirloom-hp.KGigbx1sPBw
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق