المبادرة الوطنية للتنمية البشرية

الأحد، 11 أغسطس 2013

اليد السوداء .. قصة منظمة مغربية أدخلت الرعب في قلب المستعمر

اليد السوداء ..  قصة منظمة مغربية أدخلت الرعب في قلب المستعمر




في 22 يونيو 1953 انطلقت محاكمة مقاومي المنظمة التي أدخلت الرعب إلى قلب المستعمر الفرنسي والتي عرفت بمنظمة "اليد السوداء"، التنظيم السري الذي كان يقوده الشهيد الزرقطوني، وبعد صدور الأحكام التي تراوحت بين 20 سنة سجنا والنفي والإعدام، ظهر للعالم رعب فرنسا من المنظمة التي انتقمت من نفي السلطان الشرعي للبلاد. اليد السوداء قصة اليد التي أدمت المستعمر وعلمته أن للشعب مقاومة تحميه.

قبيل نفي السلطان محمد بن يوسف، كان تعنت المستعمر وتجبره قد وصل إلى حد لا يطاق، وبدا أن المقاومة غير المنتظمة لا تستطيع خلق نوع من توازن الرعب، تم التفكير من داخل الحركة الوطنية في تنظيمات سرية تتولى الكفاح المسلح ضد المستعمر ورموزه، فكان ظهور جماعة "اليد السوداء" وانتظام قنوات التمويل والتسليح وتأمين ممرات لنقل الفدائيين إلى الشمال، الإجابة الميدانية التي أرادها رجال المقاومة، للتعبير عن رفض الشعب لكل أشكال القهر والاستبداد، وكان الشمال بمثابة الدينامو الذي يمد حركة الكفاح المسلح بما تحتاجه.
أركان اليد تجتمع
كان عبد السلام بناني الشاب المشاكس اسما معروفا لدى الإدارة الاستعمارية، ففي سنة 1953 أصدرت محكمة الباشا بالدار البيضاء حكمها عليه بالسجن تسعة أشهر، وفي سنة 1954 أصدرت المحكمة العسكرية حكمها عليه بـ 20 سنة نفيا، بتهمة المشاركة في نقل السلاح من فرنسا إلى المغرب، و20 سنة نفيا في قضية المشاركة في وضع قنبلة السوق المركزية بالدار البيضاء، وحكم عليه بالإعدام باسمه الحركي آنذاك (وهو الفقيه) في أهم قضية في مساره الكفاحي وهو تشكيل منظمة "اليد السوداء".
يحكي قياديون في حزب الاستقلال عن بداية قصة اليد السوداء حين اتصل عبد السلام بناني بأحمد اليوبي الذي كان مسيرا لحزب الاستقلال، وبحث معه العمل على تجميع فرقة ينتقيها من جماعاته، بعد أيام أعلم اليوبي بناني بأنه بالفعل شكل هذه الفرقة، فكان من بينها الشهيد محمد الراشدي والشهيد مولاي الطاهر، والطاهر الخراز ومصطفى محروس والمسفيوي وعمرو الحريزي وبوشعيب معاير ومحفوظ السوسي وعلي بن أحمد السوسي، وعدد من المقاومين المشتغلين حينئذ بسينما "ريو" وبعد دراسة الأسماء تقدم اليوبي بلائحة تضم خمسة عشر شخصا صادقت عليها الجماعة.
العقل المدبر للعمليات لم يكن سوى الشهيد الزرقطوني، الذي اجتمع بعبد السلام بناني وأبو النعيلات وحسن العرائشي وسليمان العرائشي ومقاوم يلقب بمنصور، ليخلصوا إلى ضرورة إرسال أول إشارة إلى فرنسا، فتقرر قتل ثلاثة أشخاص هم العربي المسكيني ومحمد بنيس والمقدم عبد الله الفاسي، وكان على الزرقطوني تقديم خارطة معلومات وتنقلات الخونة المستهدفين، وفيما بين 4 و5 سبتمبر من سنة 1953 أطلقت أول رصاصة في تاريخ المقاومة على العربي المسكيني، وبعد يوم واحد سقط محمد بنيس صريع رصاص سليمان العرائشي، وبعد ثلاثة أيام قضى الشهيد محمد الراشدي على المقدم عبد الله الفاسي. ففهمت فرنسا أن المقاومة دخلت في مرحلة جديدة، ورفعت حالة تأهبها.
كانت المنظمة متقدمة في حينها، فقد كان التنسيق الذي أشرف عليه، المقاوم عبد الكبير الفاسي، يهم تأمين المال والسلاح والمؤن ومخططات الاغتيال والتسيير، بإشراف لجان الاستقلال في طنجة وفرنسا ومدريد والقاهرة ونيويورك، وخلقت المقاومة خط اتصال منتظم ودائم بين منطقة الحماية الفرنسية والمنطقة الخليفية، وكانت مطاردة فرنسا لأحمد زياد المتهم على خلفية أحداث وجدة سببا في توجهه إلى تطوان وتوليه التنسيق بإشراف الفاسي والسيد عبد الخالق الطريس، وأصبح هذا التنظيم يحمل اسم "القيادة العليا لحركة المقاومة السرية".
يروي حسن العرائشي وشعيب شجاعدين في الكراس الذي أصدرته "جمعية حركة المقاومة المغربية" بمناسبة ذكرى 20 غشت في سنة 1956، أنه "عندما اطمأنت الجماعة إلى نجاح هذا الخط الجديد أخذ حسن العرائشي يقوم بسفرات إلى الخارج، وخاصة إلى باريس ليتصل بالمسؤولين في الحزب ليمدوه بجميع المساعدات الممكنة وخاصة عبد اللطيف بناني وأحمد مبارك البعمراني، وامتدت هذه السفرات إلى أن أصبحت بمعدل مرة في كل شهر، كان يستورد فيها ما يعادل أربعة أو خمسة ملايين من الفرنكات في كل مرة، عدا الإمدادات التي كانت تتوارد باستمرار من القيادة بتطوان".
رغم قلة السلاح
بوادي نفيفخ في ضاحية مدينة المحمدية، كانت معسكرات صغيرة تلتئم من أجل التدريب على السلاح وتلقي دروس في فنون الحرب، يحكي المقاوم الحسين برادة عن هذه المرحلة،" ذهبنا إلى محل لبيع الخشب كان محمد الزرقطوني شريكا فيه، وحفرنا به حيزا لاستخراج صندوق خشبي كانت بداخله ثلاثة مسدسات، وأخذ كل واحد منا مسدسا، محمد الزرقطوني، سليمان رضا عباس العرايشي وعبد ربه . وفي اليوم الموالي ذهبنا إلى الواد المالح قرب المحمدية بهدف القيام باختبار المسدسات، وذلك بإطلاق طلقة واحدة .
وعند العودة استوقف محمد الزرقطوني سيارة كان يعرف صاحبها وهو 'المسيو مازوني' صاحب شركة الخشب الموجودة بشارع الحاج عمر الريفي، وركبنا معه فأوصلنا ونحن حاملين مسدساتنا، وبواسطته تجاوزنا حاجز الدرك دون الخضوع لأي تفتيش، في مساء ذلك اليوم اجتمعنا لدى التهامي نعمان وأسفر هذا الاجتماع عن إطلاق اسم 'المنظمة السرية' على جماعتنا وقررنا الشروع في كتابة مناشير مخطوطة، تحث التجار المغاربة على إقفال دكاكينهم، وكان ذلك يوم 7 أبريل 1951 وأمضينا هذا المنشور باسم المتطوعين" كانت مجموعات المقاومين تتناوب في توقيت التداريب، مراعاة للسرية، وقد أورد حسن العرائشي، في مذكراته أن أول شحنة من السلاح دخلت عن طريق تطوان كانت بواسطة سيارات CTM على يد مساعدين للسائق، واستقبلتها سيارتان أعدتا لهذا الغرض.
ويبقى أهم منجز لمنظمة اليد السوداء الرد العنيف الذي هيأته بمناسبة رأس السنة الميلادية، بالسوق المركزيـ، تروي مصادر تاريخية أن عبد الكبير الفاسي ومن مدريد أصر على ضرورة إنجاز عمل هام في عيد المسيحيين. المؤرخ مصطفى بوعزيز صرح في حديث سابق للصحافة أن نفي محمد الخامس ليلة عيد الأضحى كان سببا في تفجير قنبلة مارشي سنطرال (انتقاما لتكدير عيد الأضحى على المسلمين).
يتفق أغلب المؤسسين لمنظمة اليد السوداء أن الخلل الذي شاب المنظمة من المفترض أن تشتغل في إطار السرية، هو حسن نية المقاومين وانفتاحهم على الكثير من الملتحقين دون احتياط، وهو ما ترتب عليه سرعة توصل فرنسا إلى أقطابها وقياداتها، خصوصا بعد قنبلة مارشي سنطرال، وقنبلة القطار الرابط بين الجزائر والرباط، لقد وسعوا دائرتهم أكثر من اللازم دون أن يتخذوا في ذلك الاحتياطات اللازمة، الأمر الذي سهل على المستعمر القبض عليهم بسهولة.
الزرقطوني بين السم وحب الوطن
يوم الجمعة 18 يونيو 1954 على الساعة الخامسة صباحا، اقتحمت قوات الاستعمار منزل الشهيد محمد الزرقطوني بسيدي معروف بالدار البيضاء، وقد سبق للزرقطوني أن وعد رفاقه في المقاومة، "أعدكم أنه في حالة إلقاء القبض علي فسيلقون القبض على جثة هامدة"، وحينما انكشف أمره وبعد أن طرقت الشرطة الفرنسية باب منزله، ابتلع حبة السم التي كان يحملها، وفتح الباب بدون مقاومة، وما أن وصل إلى مركز الشرطة، حتى كان جثة هامدة...
لقد دوخ محمد الزرقطوني القوات الفرنسية، وعرف عنه أنه كان شديد الانتباه والحذر، خاصة بعد افتضاح أمر بعض منفذي عملية السوق المركزي بالدار البيضاء في ديسمبر 1953 الذين اعتقلوا من طرف الشرطة الفرنسية، والتي توصلت بعد التحقيقات أن الزرقطوني أحد العناصر المدبرة الرئيسية والمحرك الأساسي للعمليات الفدائية ولكل أشكال المقاومة. وأمام البحث المستمر الذي قام به البوليس الفرنسي، داوم الزرقطوني على الانتقال بين المدن والسفر الدائم وفي أوقات مختلفة، إلى حين وقوعه ضحية لخيانة ما.

ليست هناك تعليقات: