المبادرة الوطنية للتنمية البشرية

الخميس، 4 سبتمبر 2014

هكذا يقضّى باحثو الإحصاء يومهم في جمع المعلومات عن السكان


هكذا يقضّى باحثو الإحصاء يومهم في جمع المعلومات عن السكان

على الساعة التاسعة صباحا، تغادرُ مجيدة بيْتها في حي الفتح بالرباط، في اتّجاه حيّ المحيط، بالمدينة نفسها، لمباشرة عملها كباحثة إحصائية، وتباشرُ عملها، انطلاقا من الساعة التاسعة والنصف، ولا تتوقّف عن طرْق أبواب البيوت إلا عند الساعة الواحدة زوالا، ثمّ تتوقّف إلى غاية الساعة الثانية والنصف، وتشرع مُجدّدا في عملها.

صباح اليوم وجدتْ مجيدة نفسها في موقف طريف، عندما دخلتْ إلى عمارة وشرعت في طرْق أبواب الشّقق واحدا تلوَ آخر، دون َ أن ينفتحَ أيّ باب، وعندما صعدتْ إلى الطابق الرابع وجدتْ نفسها وجها لوجْه أمام كلبٍ كان مختبئا في الدّرج، وعندما شاهدها اتّجه نحوها، فما كان منها إلا أن أطلقتْ ساقيْها للريح، بعدما أطلقتْ صرْخةً مدوّية.
"مَا عْرفتشْ كيفاش درتْ حتى نْزلت من الطابق الرابع بتلك السرعة، ولْقيت راسي قدّام العمارة"، تقول مجيدة، التي روتْ ما حدث لها للمراقب المشرف على عملها، وتضيف، في حديث لهسبريس أنّ صاحبة الكلب القاطنة في الطابق الرابع من العمارة أطلّت من النافذة عندما سعمتْ صيْحتها، وطلبتْ منها الصعود دونما خوفٍ من الكلب.
حدود نطاق العمل
قبْل مباشرة باحثي وباحثات الإحصاء عملهم، خضعوا لدورة تكوينية على مدى عشرة أيام، وقبل يومين من البداية الفعليّة لعملية الإحصاء، تمّ توزيع الباحثين على مجالات اشتغالهم، من أجْل دراسة الميْدان، يومي 30 و 31 غشت الماضي، انطلاقا من خرائط أُخذتْ عبر الأقمار الاصطناعية، ورسْم حدود مجال اشتغال كلّ باحث على حدة.
قبْل أن يشرع الباحث في طرْق أبواب بيوت المواطنين، من أجل مَلأ استمارات المعلومات، يكون مُلزما بإعداد معلومات عن المكان الذي سيشتغل فيه، من خلال إعطاء رقمٍ لكل عمارة، غيرَ الرقم الذي تحمله، ورقم لكلّ شقة، يُضمّنها في دفتر يسمّى "دفتر الجولة"، وتُسمّى كلّ بناية، أو مجموع بنايات، مُحاطة بالأزقة في الاتجاهات الأربع "جُزيْرة".
تدابيرُ صارمة
المندوبية السامية للتخطيط وضعت تدابيرَ صارمةً، من أجْل تدقيق مُعطيات الإحصاء العامّ للسكان والسكنى، التي سيجمعها 73 ألف باحثة وباحث، على مدى 20 يوما؛ وهكذا يشرفُ على كلّ ثلاثة باحثي إحصاء مراقب، ويخضع المراقب بدوره لمراقبة "المُشرف"، وهكذا... حيث تنتقل المعلومات التي يستقيها الباحثون بشكل تسلسلي، وتخضع لمراقبة صارمة، قبل أن تصل إلى مركز تدقيق المُعطيات بالمركز.
العملُ الذي يقوم به الباحثون الإحصائيون لا ينتهي عند ملأ الاستمارات بالمعطيات التي يقدّمها المواطنون، بلْ يمتدّ إلى توضيب تلك المعلومات، بعد جمعها، بما يضمنُ دقّتها، قبْل نقلها إلى المراكز المخصّصة لجمع الاستمارات، "وإذا لاحظَ المراقبُ أنّ هناكَ خطأ ما في الاستمارة يُعيدها إلى الباحث"، تقول الباحثة مجيدة.
ولا يكتفي المُراقبون بتدقيق المعلومات الواردة في الاستمارات التي يُعدّها الباحثون والباحثات الإحصائيون، بل يقومون بإعادة زيارة البيوت التي سبق للباحثين أن زاروها، على رأس كلّ ثلاثة أيام، للتأكّد، ميدانيا، من المعطيات الواردة في الاستمارات التي توصّلوا بها، ويَلزم كل باحث أن يملأ ما بين 11 و 15 استمارة، كل يوم.
بيوت فارغة
أحْيانا، لا يَعثر الباحثون والباحثات على أحدٍ في البيوت، فيضطرّون إلى ترْك توصيلٍ يتمّ سحبه من "دفتر المواعيد"؛ التوصيل يتضمّن تاريخ الزيارة، والساعةَ التي قَدِم فيها الباحث أو الباحثة إلى البيت، كما يتضمّن تاريخ الزيارة اللاحقة، وموعدها، والذي يكون على الباحث أن يحترمه، وهكذا يقوم بعمله مرّتين.
وقدْ يحصلُ أن يعود الباحث أو الباحثة، بعد ترْك الوصْل، ولا يعثر على صاحب البيت، وفي هذه الحالة يلجأ إلى سؤال الجيران، أو البحث عن مكان عملِ ربّ أو ربّة البيت، من أجل الانتقال عنده، أوْ ترك رقم الهاتف، وإذا لمْ تُسعف كلّ هذه التدابير في الوصول إلى صاحبِ البيْت، يتمّ احتساب المسكن فارغا، بعْد تسجيل عنوانه.
ظروف جيّدة
الظروف التي تمرّ بها عملية الإحصاء، حسب المعلومات التي استقتها هسبريس من باحثين إحصائيين، في جانبها المتعلّق بتقديم المعلومات من طرف المواطنين، تسير على نحوٍ جّيّد، "كان هناك في االبداية بعضُ التخوّف من الاستجوابات، لكنّ أغلبية الناس تفاعلوا معنا، بعدما شرحنا لهم أنّ الإحصاء عملية وطنية، تقام كلّ عشر سنوات"، تقول الباحثة الإحصائية سناء الهواوير.
وتقول مجيدة، جوابا على سؤال لهسبريس حول ما إنْ كان لتصريحاتٍ سابقة لوزير العدل والحريات، قال فيها إنّ نتائج الإحصاء ستتيح للقضاة التعرفَ على المواطنين الذين لديهم منازعات قضائية "تعامُل المواطنين معنا لحدّ الآن جيد، نحن نقدّم لهم أنفسنا عندما نطرق بيوتهم، ونُطمْئنهم إلى أنّ المعلومات التي سيدلون بها لن يطلع عليها أحد، وستظلّ سريّة".
وبخصوص عمل باحثي وباحثات الإحصاء في العالم القروي، تقول سناء، التي تشتغل في مركز كرامة، التابع لعمالة ميدلت، "المشكل الذي واجهناه في اليوم الأوّل هو أنّ انطلاقة الإحصاء تزامنت مع السوق الأسبوعي بالمنطقة، غيرَ أنّ مشاركة المواطنين كانت مكثّفة"، وفيما يتعلق بالنقل، قالت المتحدّثة إنّ السلطات المحلية وفّرت وسائل لتنقّل الباحثين.

في العالم الحضري يبْدو الأمر مختلفا، إذْ يكون على الباحث أو الباحثة أنْ ينفق من جيبه على التنقّل، في حال الاستعانة بسيارة أجرة، غيرَ أنّ الشارات التي يحملها الباحثون تعفيهم من الأداء على متْن الحافلات. مجيدة لمْ تكن على عِلْم بهذا الأمر، إلى أنْ أخبرها مراقب التذاكر في الحافلة، بعد أن اقتنتْ تذكرتها.
تعاون مع السلطات
الباحثون والباحثات الإحصائيون الثلاثة والسبعون ألفا، يشتغلون بتعاون مع أعوان السلطة المحلية، حيث يتمّ تزويد الباحثين بأرقام هواتف "الشيخ" أو "المقدم"، من أجل التواصل معهم، في حال استدعت الضرورة ذلك، ومن ذلك رفْض المواطنين الإجابة عن أسئلة الباحثين الإحصائيين، حيث يتمّ إعلام المراقب، ويقوم بدوره بإعلام أعوان السلطة المحلية.
الإحصاء العامّ للسكان والسكنى، لا يشمل المواطنين المغاربة فحسب، بل يشمل، أيضا، المواطنين الأجانب، إذا أقاموا في المغرب لمدّة تفوق ستّة أشهر، وهناك فئات أخرى من المواطنين المغاربة يتمّ تصنيفهم في خانة "السكان المحسوبون على حِدة"، وهم قاطنوا الأحياء الجامعية، ودور الطالبة، ونزلاء المستشفيات والفنادق وما شابهها.
المندوبية السامية للتخطيط، ومن باب ضمان نجاح أكبر لعملية الإحصاء، كلّفت المراقبين بتنقيط عمل الباحثات والباحثين، إذْ يتمّ توجيه إنذارات إلى الباحث أو الباحثة، في حال تقصيره في القيام بعمله، وإذا وصل عدد الانذارات إلى ثلاثٍ يتمّ فصله، وتعويضه بباحث احتياطي.
وكما خصّصت المندوبية باحثين احتياطيين، لتعويض الباحثين الرئيسيين، استعانت أيضا بمراقبين احتياطيين، لتعويض أيّ مراقب رئيسي، في حال المرض، أو العجر عن القيام بمهمّته.

ليست هناك تعليقات: