المبادرة الوطنية للتنمية البشرية

الخميس، 11 أبريل 2013

أنشئ فوق أراضي الهراويين واستقطب عمال الوحدات الصناعية وشركات مواد البناء


قبل الحماية الفرنسية سنة 1912، لم يكن المجال الذي بني فوقه كاريان سنطرال الأشهر والأكبر بالدار البيضاء والمغرب،
بتفرعاته ودواويره المختلفة غير أراض فلاحية خصبة مملوكة إلى قبائل الشاوية ومديونة التي تتكون من عدة فرق وفخذات مثل ولاد مسعود ولاد الدايم وحرث أهل الترس وأولاد المجاطية وأولاد حدو وأولاد جرار والعمامرة وعزوقة والهراويين. ويقول الباحث المغربي محمد الفلاح العلوي، في دراسة حول الدار البيضاء وباديتها (مديونة نموذجا)، إن العلاقة كانت وطيدة بين قبيلة مديونة، مثلا، وعدد من الأجانب الذين بدؤوا يصلون إلى المغرب قبل التدخل الفرنسي، وقد استطاع عدد من هؤلاء الاستحواذ على أخصب الأراضي عن طريق ما كان يسمى المخالطة أو استغلال التسهيلات التي تمنحها لهم حمايتهم لبعض المغاربة في إطار ما عرف بالحماية الشخصية القنصلية، وهكذا ظهرت استغلاليات كبرى كان للأجانب والفرنسيين فيها نصيب الأسد، وهي الاستغلاليات التي تحولت في ما بعد إلى مجالات لإقامة العمال وأسرهم لإبقائهم غير بعيدين عن الوحدات الصناعية التي انطلقت بالعاصمة الاقتصادية مع وصول المقيم العام الجنرال ليوطي.
وإلى هذه الفخذة الأخيرة تنتمي عدد من الأسر العريقة التي كانت تملك أراض شاسعة، مثل أسرة بوعزة بن أحمد وأسرة بوعزة بن محمد بن الطيبي وأسرة محمد بن محمد وأسرة محمد بن بوعزة. وقد ظلت أسماء أسر الهراويين راسخة في ذاكرة سكان الحي المحمدي من خلال ما ينسب إلى هذه الأسماء من أماكن مثل بلاد ولاد هرس ودوار سي أحمد ودوار بوعزة ودرب بلقاسم وكاريان بوعزة ودار بوعزة بن محمد بن الطيبي التي مازالت قائمة رغم قدمها وتلاشيها.
ويقول الباحث نجيب نقي، الذي ينسب إليه أول مرجعية موثقة بعدد من الصور والوثائق والمخطوطات النادرة لكاريان سنطرال ضمنها كتابه "جوانب من ذاكرة كريان سنطرال- الحي المحمدي بالدار البيضاء في القرن العشرين- محاولة توثيق"، إن مجال استقرار قبيلة الهراويين بالمجالات الحالية لكاريان سنطرال كان فلاحيا بالدرجة الأولى، ويظهر ذلك من خلال تصاميم الأراضي التي كانت بحوزتهم منذ عقد الخمسينات من القرن الماضي، بدليل احتفاظ بعضها بأسمائه الدالة على النشاط الزراعي أو الطابع القروي (عرصة، دوار، فخذة..) قبل أن تجثثها آليات الهدم وأدواته من أجل بناء "البلوكات" والكاريانات وغريها من الوحدات العمرانية التي ظهرت في مجال كاريان سنطرال في فترة الحماية.
ومن الثابت أن النشأة الأولى لكاريان سنطرال تحكم فيها سياق التحولات الاقتصادية والصناعية التي عرفها شرق الدار البيضاء في المرحلة ما بين 1922 و1937، وتحولات مهمة في ميدان الصناعة على وجه الخصوص، والتي كان لها ارتباط، بالأحداث التي وقعت في المغرب في العقدين الأولين من القرن العشرين، والتي كان أهمها فرض معاهدة الحماية في 30 مارس 1912، كما أن تقسيم الدار البيضاء إلى منطقة الأوربيين في الغرب ومنطقة صناعية وعمالية في الشرق، من طرف المهندس بروست المعين من طرف الجنرال ليوطي المقيم العام، كان له أثره في ظهور هذه التجمعات السكنية بهذا الشكل "الهندسي" العشوائي التي تطورت في ما بعد إلى أحياء قصديرية كما الحال اليوم.
حسب دراسة لعدد من الروايات الشفوية وحجم كبير من الوثائق، خلص الباحث نجيب تقي إلى أن التحولات التي طرأت على الحي الصناعي الشرقي (وصول عدد كبير من الشركات الصناعية التي كانت تشتغل في المحاجر ومواد البناء التي كانت تحتاجها المشاريع الكبرى وأهما بناء ميناء الدار البيضاء)، ترتب عنها هجرة قوية إليه من البوادي المجاورة، ثم من مختلف جهات المغرب، إذ اضطر القادمون إلى الحي الصناعي من الشاوية ودكالة وعبدة والشياظمة وتادلة والحوز والأطلس الكبير والأطلس الصغير، إلى استعمال ما عهدوه من نوع السكن مثل "النوايل" و"الخيم" (الكياطن)، قبل أن يلجؤوا، بسبب البعد عن المدينة إلى إنتاج شكل جديد، استعملوا فيه الألواح الخشبية والصفائح القصديرية وغيرها من المواد التي تلفظها المصانع القريبة، ليظهر في ما بعد شكل "البراريك"، ومعه اسم "كريان سنطرال"، للدلالة على الحي الصفيحي الذي انشئ فوق المحاجر، ثم صار الكاريان مرادفا للحي الصفيحي في المغرب عامة، والدار البيضاء خاصة (كاريان كرلوطي وكاريان ابن امسيك).
وتحفل الذاكرة المجالية والإدارية والتنظيمية بزخم كبير من التفاصيل، كما تظهر حجم التغييرات ومشاريع "الهيكلة" والتحكم التي خضع إليها كاريان سنطرال منذ نهاية الأربعينات بعد أن تحول إلى وحدة سكانية بخصوصيات.
يوسف الساكت

ليست هناك تعليقات: